responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 111
فقد قال سيبويه: "كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم لهم وهم ببيانه أعنى, وإن كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم" (1) فالمهم يتقدم على الأقل أهمية والألفاظ تترتب بحسب ترتبها في النفس, وهذا ما يراه عبدالقاهر الجرجاني حيث يقول "وأما نظمُ الكلم فليس الأمرُ فيه كذلك لأنك تقتفي في نظمها آثار المعاني, وترتبها على حسب ترتب المعاني في النفس فهو إذن نظمٌ يُعتبر فيه حالُ المنظومِ بعضهُ من بعض وليس هو النظمُ الذي معناهُ ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق, مما يوجب اعتبارَ الأجزاء بعضَها من بعض, حتى يكون لوضع كلٍّ حيث وضِع علةٌ تقتضي كونه هناك, وحتى لو وضع في مكانٍ غيره لم يصلح " (2)
فلا بد إذن من مراعاة مواقع الكلام بعضه من بعض, فقد تصلح الكلمة في موقع ولا تصلح في موقع آخر وذلك بالنظر إلى ائتلافها مع جاراتها من الكلمات في الجملة. ولا بد من أن يكون هناك سبب يقتضي وضع الكلمة في هذا الموقع أو ذاك, ولو وضعت في غير مكانها لم يصلح, فكل كلمة لها الموقع الذي يناسبها.
وقد فسر السهيلي (583هـ) كلام سيبويه قائلاً " وما تقدم من الكلام فتقديمه في اللسان على حسب تقدم المعاني في الجنان والمعاني تتقدم بأحد خمسة أشياء: إما بالزمان, وإما
بالطبع, وإما بالرتبة, وإما بالسبب, وإما بالفضل والكمال فإذا سبق معنى من المعاني إلى الخلد والفكر بأحد هذه الأسباب الخمسة أو بأكثرها سبق اللفظُ الدالُ على ذلك المعنى وكان ترتب الألفاظ بحسب ذلك. نعم وربما كان ترتب الألفاظ بحسب الخفة والثقل لا بحسب المعنى كقولهم:
----------------------------------------------
(1) سيبويه - الكتاب، ج1،ص 34
(2) عبدالقاهر الجرجاني - دلائل الإِعجاز، ص 49
--------------------------------------------------
ربيعه ومضر. " (1)
أما العلائي (761هـ) فيقول في الفصول المفيدة في الواو المزيدة: "روي أن عمر رضي الله عنه أنكر على سحيم عبد بني الحسحاس قوله:"كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا"وقال: لو قدمت الإسلام على الشيب. ولم أجد لإنكار عمر رضي الله عنه على سحيم سنداً ولكنه مشهور في كثير من الكتب, وقد أجيب عنه بأن ذلك الإنكار على وجه الأدب في تقديم الأهم في الذكر،فالنطق الواقع في الزمان الأول متقدم بالطبع على النطق الواقع في الزمان الذي بعده, وهو السر فيما حكاه سيبويه عن العرب أنهم يبدأون بما هو الأهم عندهم وكانت العناية به أشد, فكل ما قُدِّم بالزمان دلَّ على أن المتكلم قصد الاهتمام به أكثر مما بعده, وذلك يقتضي تفضيلاً. فإنكار عمر رضي الله عنه لهذا المعنى" (2)
----------------------------------------------
(1) السهيلي- نتائج الفكر، ص 268
(2) العلائي - الفصول المفيدة، ص 93 - 94
--------------------------------------------------
فالأصل أن يتقدم الإسلام على الشيب بالرتبة والفضل والشرف, ولكن تقدم الشيب بالسبب اللفظي عدولاً.
وبناءً على ما تقدم فالذي يبدو لي أن المباني تترتب بالرتبة (المنزلة) بغض النظر عن سبب التقدم
هذا, وتترتب الجملة العربية في الأصل من المبني عليه إلى المبني بالرتبة من الخاص (القريب) إلى العام (البعيد) والمباني إما أن تتقدم بالزمان وإما بالطبع, وإما بالرتبة, وإما بالسبب وإما بالفضل والكمال, وإما بالخفة والثقل, والعدول من العام إلى الخاص.
وهذا يتوافق وما يقوله ابن القيم كذلك من أن هناك طريقتين معروفتين في الكلام " الترقي من الأخص إلى ما هو أعم منه, إلى العام (البعيد) (أوالأقل أهمية)
(وهو الأصل) والنزول من الأعم (الأهم) إلى الأخص منه إلى الخاص (القريب) (الأقل أهمية) وهذا هو الخروج عن الأصل) (1)
فالكلام يترتب بحسب الأهمية المعنوية أصلا وعدولا.

ثانياً: التقدم بالسبب اللفظي

"وربما كان ترتيب الألفاظ بحسب الخفة والثقل لا بحسب المعنى" (2) ومن الأسباب اللفظية التي تترتب بموجبها الألفاظ: الخفة والثقل, الصدارة, تناسب الفواصل, المشاكلة اللفظية … الخ
وخلاصة الأمر هو أن رتبة المباني (مواقعها أو ترتيبها) تترتب بفعل الرتبة (المنزلة) من الخاص إلى العام أصلاً ومن العام إلى الخاص عدولاً.
¥

اسم الکتاب : ملتقى أهل اللغة المؤلف : مجموعة من المؤلفين    الجزء : 1  صفحة : 111
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست