اسم الکتاب : نتائج البحوث وخواتيم الكتب المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 473
وأما كون للسلاطين معاصي كبيرة فإنه قد تأخذه النفس العصبية فيسفك الدماء ويستحل الأموال المحترمة وقد يهلك أهل قرية بسبب شذوذ فرد منهم عن طاعته، وقد تشره نفسه إلى ما في أيدي الرعايا فيأخذ منها لا على قانون الشريعة المطهرة، وينصب لذلك شباك الحيل وذرائع الظلم، وقد يطاوع نفسه الشهوانية فيفعل ما تشتهيه ويرتكب محرمات الله عز وجل ويفعل ما يريده لعدم نفوذ قول قائل عليه، إذا لا سلطان عليه إلا من عصم الله وقليل ماهم. حكي عن بعض سلاطين الإسلام أنه كان يجتمع مع من يجالسه على كثير من اللهو والفسوق وكان في المدينة التي هو منها رجل صالح ينكر ما يبلغه من المنكرات، وإذا رأى إناء فيه خمر كسره، فمر يوماً من تحت دار السلطان فقال للسلطان بعض جلسائه: هذا فلان الذي إذا رأى إناء من الخمر بيد أحد من الناس كسره، وإذا رأى منكراً غيره، فأمر من يدخله إلى مجلسه ثم قال له: أنت تنكر على الضعفاء من الناس ما تراه من المنكرات وتكسر ما تراه عندهم من أواني الخمر، وهذه عندنا من الأواني ما تراه فهل تستطيع أن تغير ذلك علينا؟ فقال له: أنا ضعيف أنكر على مثلي من الضعفاء لقدرتي على ذلك؛ وأما أنت يا سلطان فكما قال الله عز وجل: (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً) [1] فبكى السلطان وقال: وأنا أيضاً فأنكر علي وقم ارم بهذه الأواني من هذه الطاقات، فقام ورمى بها وتاب السلطان فلم يعد إلى شيء مما كان عليه، فإذا عرفت أن للسلاطين تلك المحاسن وتلك المساويء ونظرت إلى ذلك بعين الصواب علمت أن فيه من خصال الخير ما نفعه لك ولغيرك أكثر من الضر، وقد عرفت ما يقوله أهل الفقه وغيرهم أن محبته بخصال خير فيه مما لا بأس به، فإذا كانت هذه المحبة جائزة فكيف لا يجوز ما هو دونها من الاتصال به لأحد الأسباب المتقدم ذكرها مع كون المتصل به على الرجاء بأن تقبل منه موعظة أو يترك بعض ما يقارفه حياءً منه، فإن منزلة العلم والفضل لها من المهابة في صدور كل أحد، والتعظيم لها والحشمة منها مالا يخفى إلا على بهيمي الطبع ولا ينكر ذلك إلا مسلوب الفهم. وعلى كل حال فمواصلته لتلك الأسباب لا يتردد أحد في جوازها بل قد يكون في بعضها حسناً، بل قد يكون واجباً إذا لم يتم الواجب إلا به أولم يندفع المحرم إلا به، وهذا لا يخفى على أدنى الناس علماً وفهماً. والممنوع هو مواصلته لا لمصلحة دينية تعود على فرد من أفراد المسلمين أو أفراد إذا ترتب على ذلك مفسدة، فكيف وقد ثبت في الكتاب العزيز الأمر بطاعة أولي الأمر وجعل الله أولي الأمر وطاعتهم بعد طاعة الله سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتواتر في السنة المطهرة في الأمهات وغيرها أنها تجب الطاعة لهم والصبر على جورهم، وفي بعض الأحاديث الصحيحة المشتملة على الأمر بالطاعة لهم أنه قال صلى الله عليه وسلم: (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعطوهم الذي لهم واسألوا الله الذي لكم) وصح في السنة المطهرة أنها تجب الطاعة لهم ما أقاموا الصلاة وفي بعضها ما لم يظهر منهم الكفر البواح، فإذا أمروا أحداً من الناس أن يتصل بهم لم يحل له أن يمتنع على فرض أنه لم يكن في اتصاله شيء من تلك الأسباب المتقدمة، وعليه أن لا يدع ما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا تمكن من ذلك، وإلا فهو معذور، ولا إثم عليه إلا إذا حصل منه الرضا والمتابعة، كما تقدم في الحديث الصحيح. [1] طه: 105 - 107.
اسم الکتاب : نتائج البحوث وخواتيم الكتب المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 473