اسم الکتاب : آصرة العقيدة هي الأساس المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 190
ولقد أشرنا إشارات سريعة إلى اللمسات القرآنية التي سنعيد الحديث عنها كلها تقريبا. ولكنها مرت في مجال تفسير النصوص القرآنية مرورا عابرا لمتابعة السياق. وهي تحتاج إلى وقفات أمامها أطول في حدود الإجمال:
نقف أمام الدعوة الواحدة الخالدة على لسان كل رسول وفي كل رسالة .. دعوة توحيد العبادة والعبودية للّه، المتمثلة فيما يحكيه القرآن الكريم عن كل رسول: «قالَ: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» ..
ولقد كنا دائما نفسر «العبادة» للّه وحده بأنها «الدينونة الشاملة» للّه وحده. في كل شأن من شؤون الدنيا والآخرة. ذلك أن هذا هو المدلول الذي تعطيه اللفظة في أصلها اللغوي .. فإن «عبد» معناها: دان وخضع وذلل. وطريق معبد طريق مذلل ممهد. وعبّده جعله عبدا أي خاضعا مذللا .. ولم يكن العربي الذي خوطب بهذا القرآن أول مرة يحصر مدلول هذا اللفظ وهو يؤمر به في مجرد أداء الشعائر التعبدية. بل إنه يوم خوطب به أول مرة في مكة لم تكن قد فرضت بعد شعائر تعبدية! إنما كان يفهم منه عند ما يخاطب به أن المطلوب منه هو الدينونة للّه وحده في أمره كله وخلع الدينونة لغير اللّه من عنقه في كل أمره .. ولقد فسر رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - «العبادة» نصا بأنها هي «الاتباع» وليست هي الشعائر التعبدية. فعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِى عُنُقِى صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ «يَا عَدِىُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ». وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِى سُورَةِ بَرَاءَةَ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) قَالَ «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ» [1]. ..
إنما أطلقت لفظة «العبادة» على «الشعائر التعبدية» باعتبار ها صورة من صور الدينونة للّه في شأن من الشؤون .. صورة لا تستغرق مدلول «العبادة» بل إنها تجيء بالتبعية لا بالأصالة! فلما بهت مدلول «الدين» ومدلول «العبادة» في نفوس الناس صاروا يفهمون أن عبادة غير اللّه التي يخرج بها الناس من الإسلام إلى الجاهلية هي فقط تقديم الشعائر التعبدية لغير اللّه، كتقديمها للأصنام والأوثان مثلا! وأنه متى تجنب الإنسان هذه الصورة [1] - سنن الترمذى- المكنز [11/ 354] (3378) صحيح لغيره
اسم الکتاب : آصرة العقيدة هي الأساس المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 190