اسم الکتاب : الإنسان بين الدينونة لله والدينونة لغيره المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 41
فهو الإصرار المطلق على الشر، والتصميم المطلق على الغواية .. وبذلك تتكشف هذه الطبيعة عن خصائصها الأولى .. شر ليس عارضا ولا وقتيا. إنما هو الشر الأصيل العامد القاصد العنيد ..
ثم هو التصوير المشخص للمعاني العقلية والحركات النفسية، في مشاهد شاخصة حية:
لقد سأل إبليس ربه أن ينظره إلى يوم البعث. وهو يعلم أن هذا الذي يطلبه لا يقع إلّا بإرادة اللّه وقدره.
ولقد أجابه اللّه إلى طلبه في الإنظار، ولكن إلى «يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» كما جاء في السورة الأخرى. وقد وردت الروايات: أنه يوم النفخة الأولى التي يصعق فيها من في السماوات والأرض - إلا من شاء اللّه - لا يوم يبعثون ..
وهنا يعلن إبليس في تبجح خبيث - وقد حصل على قضاء بالبقاء الطويل - أنه سيرد على تقدير اللّه له الغواية وإنزالها به، بسبب معصيته وتبجحه بأن يغوي ذلك المخلوق الذي كرمه اللّه، والذي بسببه كانت مأساة إبليس ولعنه وطرده! ويجسم هذا الإغواء بقوله الذي حكاه القرآن عنه: « ... لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ، وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ» ..
إنه سيقعد لآدم وذريته على صراط اللّه المستقيم، يصد عنه كل من يهم منهم باجتيازه - والطريق إلى اللّه لا يمكن أن يكون حسا، فاللّه سبحانه جل عن التحيز، فهو إذن طريق الإيمان والطاعات المؤدي إلى رضى اللّه - وإنه سيأتي البشر من كل جهة: «مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ» .. للحيلولة بينهم وبين الإيمان والطاعة .. وهو مشهد حي شاخص متحرك لإطباق إبليس على البشر في محاولته الدائبة لإغوائهم، فلا يعرفون اللّه ولا يشكرونه، اللهم إلا القليل الذي يفلت ويستجيب: «وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ» ..
ويجيء ذكر الشكر، تنسيقا مع ما سبق في مطلع السورة: «قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ» .. لبيان السبب في قلة الشكر وكشف الدافع الحقيقي الخفي، من حيلولة إبليس دونه، وقعوده على الطريق إليه! ليستيقظ البشر للعدو الكامن الذي يدفعهم عن الهدى وليأخذوا حذرهم
اسم الکتاب : الإنسان بين الدينونة لله والدينونة لغيره المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 41