اسم الکتاب : الإنسان بين الدينونة لله والدينونة لغيره المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 322
«فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ؟» .. فكيف تصرفون عن هذا الحق الواضح للعقول والقلوب والعيون!
إن معجزة انبثاق الحياة من الموات يجيء ذكرها كثيرا في القرآن الكريم - كما يجيء ذكر خلق الكون ابتداء - في معرض التوجيه إلى حقيقة الألوهية، وآثارها الدالة على وحدة الخالق، لينتهي منها إلى ضرورة وحدة المعبود، الذي يدين له العباد بالاعتقاد في ألوهيته وحده، والطاعة لربوبيته وحده، والتقدم إليه وحده بالشعائر التعبدية، والتلقي منه وحده في منهج الحياة كله، والدينونة لشريعته كذلك وحدها ..
وهذه الدلائل لا تذكر في القرآن الكريم في صورة قضايا لاهوتية أو نظريات فلسفية! إن هذا الدين أكثر جدية من أن ينفق طاقة البشر في قضايا لاهوتية ونظريات فلسفية. إنما يهدف إلى تقويم تصور البشر - بإعطائهم العقيدة الصحيحة - لينتهي إلى تقويم حياة البشر الباطنة والظاهرة.
وذلك لا يكون أبدا إلا بردهم إلى عبادة اللّه وحده وإخراجهم من عبادة العباد. وإلا أن تكون الدينونة في الحياة الدنيا، وفي شئون الحياة اليومية للّه وحده، وإلا أن يخرج الناس من سلطان المتسلطين، الذين يدعون حق الألوهية، فيزاولون الحاكمية في حياة البشر، ويصبحون آلهة زائفة وأربابا كثيرة فتفسد الحياة، حين يستعبد الناس فيها لغير اللّه!
ومن هنا نرى التعقيب على معجزة الحياة: «ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ» .. ذلكم اللّه الذي يستحق الربوبية فيكم .. والرب هو المربي والموجه والسيد والحاكم .. ومن ثم يجب ألا يكون الرب إلا اللّه .. «فالِقُ الْإِصْباحِ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً. ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» ..
إن فالق الحب والنوى هو فالق الإصباح أيضا، وهو الذي جعل الليل للسكون، وجعل الشمس والقمر محسوبة حركاتهما مقدرة دوراتهما .. مقدرا ذلك كله بقدرته التي تهيمن على كل شيء، وبعلمه الذي يحيط بكل شيء.
وانفلاق الإصباح من الظلام حركة تشبه في شكلها انفلاق الحبة والنواة. وانبثاق النور في تلك الحركة، كانبثاق البرعم في هذه الحركة .. وبينهما من مشابه الحركة والحيوية والبهاء
اسم الکتاب : الإنسان بين الدينونة لله والدينونة لغيره المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 322