اسم الکتاب : الإنسان بين الدينونة لله والدينونة لغيره المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 295
سلطان اللّه وربوبيته أو يعطيها الجاهليون هذا السلطان تحت تأثير الوهم والخرافة والأسطورة، أو تحت تأثير القهر أو الخداع أو الدعاية! هذه الأرباب الأرضية لا تملك لحظة أن تتخلص من أهوائها، ومن حرصها على ذواتها وبقائها، ومن الرغبة الملحة في استبقاء سلطانها وتقويته، وفي تدمير كل القوى والطاقات التي تهدد ذلك السلطان من قريب أو من بعيد وفي تسخير تلك القوى والطاقات في تمجيدها والطبل حولها والزمر والنفخ فيها كي لا تذبل ولا تنفثئ نفختها الخادعة! واللّه الواحد القهار في غنى عن العالمين فهو سبحانه لا يريد منهم إلا التقوى والصلاح والعمل والعمارة - وفق منهجه - فيعدّ لهم هذا كله عبادة. وحتى الشعائر التي يفرضها عليهم إنما يريد بها إصلاح قلوبهم ومشاعرهم، لإصلاح حياتهم وواقعهم .. وإلا فما أغناه سبحانه عن عباده أجمعين! «يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» .. ففرق بين الدينونة للّه الواحد القهار والدينونة للأرباب المتفرقة بعيد! (1)
ثم يخطو يوسف - عليه السلام - خطوة أخرى في تفنيد عقائد الجاهلية وأوهامها الواهية: «ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ» ..
إن هذه الأرباب - سواء كانت من البشر أم من غير البشر من الأرواح والشياطين والملائكة والقوى الكونية المسخرة بأمر اللّه - ليست من الربوبية في شيء، وليس لها من حقيقة الربوبية شيء. فالربوبية لا تكون إلا للّه الواحد القهار الذي يخلق ويقهر كل العباد .. ولكن البشر في الجاهليات المتعددة الأشكال والأوضاع يسمون من عند أنفسهم أسماء، ويخلعون عليها صفات، ويعطونها خصائص وفي أول هذه الخصائص خاصية الحكم والسلطان .. واللّه لم يجعل لها سلطانا ولم ينزل بها من سلطان ..
وهنا يضرب يوسف - عليه السلام - ضربته الأخيرة الحاسمة فيبين: لمن ينبغي أن يكون السلطان! لمن ينبغي أن يكون الحكم! لمن ينبغي أن تكون الطاعة .. أو بمعنى آخر لمن ينبغي
(1) - يراجع ما سبق تقريره في هذا الجزء عن قيمة العبودية للّه وحده في واقع الحياة البشرية. ص 1938 - 1943.
اسم الکتاب : الإنسان بين الدينونة لله والدينونة لغيره المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 295