اسم الکتاب : التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي المؤلف : الخالدي، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 91
فإن الذي يهمنا هنا شيء آخر. إن الذي يهمنا هنا أن الاحتكاك والتراشق بينهما لم يفتر قط، بل كان يقوى كلما تقدم بهما الزمن وزاد أنصارهما. ومنذ أواخر عام 1943، أي بعد أن خرجت الجمهورية اللبنانية من قيود الانتداب الفرنسي إلى بحبوحة الاستقلال برزت العداوة بين الحزب القومي وبين الكتائب اللبنانية بروزًا ظاهرًا تراءى في الانتخابات النيابية وفي الأعياد المحلية وفي حفلات الخطابة. وفي أواخر حزيران وقع الاحتكاك العلني الأول بين أفراد الحزب القومي وبين أفراد منظمة الكتائب في بيروت، فقبضت الحكومة اللبنانية على نفر من هؤلاء ونفر من هؤلاء. إلا أن المقبوض عليهم من أفراد الحزب القومي السوري كانوا أكثر عددًا. ثم اتسعت حركة الاعتقال بين القوميين بتهمة تدبير انقلاب سياسي بقوة السلاح.
ولم يكد ينتهي حزيران حتى أخذ أفراد الحزب القومي السوري يهاجمون المخافر اللبنانية في ضواحي بيروت وفي أماكن متفرقة في جبل لبنان والبقاع. ثم إنهم وسعوا حركتهم الثورية حتى اضطرت الحكومة اللبنانية إلى أن تجرد عليهم قطعة من الجيش، فاستطاعت في أيام قلائل أن تحبط حركتهم، ثم قبضت على عدد غفير منهم. وأخيرًا تمكنت من القبض على زعيم الحزب أنطوان سعادة وحاكمته محاكمة عسكرية ثم أعدمته رميًا بالرصاص (فجر الجمعة 8 تموز 1949).
وفي صباح اليوم التالي صدرت جريدة " العمل " [1]، لسان منظمة الكتائب اللبنانية، وفي صدر صفحتها الأولى مقال افتتاحي عنوانه «كُونُوا مُتَيَقِّظِينَ». كان في هذا المقال الافتتاحي مقطع هو:
«وَلَكَمْ أَشَرْنَا إلى أن الكلية الأمريكية في بيروت بؤرة ملأى بالدس على لبنان وعلى كيانه. إن أكثر الضالين من اللبنانيين ضلوا بين أحضانها، وكل المهوشين علينا من جيراننا تلقنوا بُغْضَ لُبْنَانَ وأساليب السعي ضده تحت أكنافها. وهل كانت حركة أنطوان سعادة تمكنت لو لم يجد لها أرضًا خصبة في تلاميذ الجامعة الأمريكية، لبنانيين وغير لبنانيين.
فإلى متى هذا الإغضاء؟
إن المحنة التي اجتازتها البلاد ينبغي ألا تتجدد ولو اقتضى الأمر إلى اعتقال كل اللاجئين الأشرار [2] وإلى إقفال الجامعة الأمريكية». [1] جريدة " العمل " بيروت، السبت 9 تموز 1949، السنة العاشرة، العدد 1015. [2] إشارة إلى أن كثيرين من الذين قاموا بالحركة التي أدت إلى التصادم بين الحزب القومي وبين الحكومة كانوا سوريين أو فلسطينيين أو يسكنون في لبنان (المقال نفسه).
اسم الکتاب : التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي المؤلف : الخالدي، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 91