اسم الکتاب : التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي المؤلف : الخالدي، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 62
إن نفرًا منهم أنشأوا مستوصفًا في بلدة الناصر في السودان، وكانوا لا يعالجون المريض أبدًا إلا بعد أن يحملوه على الاعتراف بأن الذي يشفيه هو المسيح [1]، وإن كان الكاتب قد وضع هذا المعنى في تركيب بلاغي يختلف عن هذا الذي قلناه نحن في اللفظ فقط. ومثل هذا كان فعلهم في أماكن مختلفة، ففي بلدة الناصر هذه مثلاً كان التنصير والتطبيب يسيران جنبًا إلى جنب كما يقول المؤلف نفسه [2]. وفي الحبشة كانت المعالجة لا تبدأ قبل أن يركع المرضى ويسألوا المسيح أن يشفيهم [3]. ومن الحيل التي استعملها المبشرون في وادي النيل أنهم استخدموا ثلاثة مراكب وجعلوها مستوصفات نقالة على النيل. وكانوا يعلنون عن مجيء الطبيب قبل أن يصل بوقت طويل، فيأتي الناس من كل صوب يحملون مرضاهم، وينتظر الجميع قدوم الطبيب. في هذه الأثناء يقوم فيهم من يبشر [4] فرحًا بالجموع، من غير أن يتحرك ضميره لهذه الآلام التي يتحملها المرضى في وضح الشمس ومضض الانتظار عمدًا وخداعًا.
ومثل هذا كانوا يفعلون في بلدة الشيخ عثمان في اليمن. كان الناس يأتون من مكان بعيد يحملون مرضاهم، وكان أولئك الأطباء، الذين لم يضع اللهُ في قلوبهم شيئًا من معاني الإنسانية، لا يبدأون بعلاج المرضى إلا بعد أن يكرزوا عليهم [5]. وحملت أم مرة طلفها المريض وجاءت به إلى مستوصف الناصر بالسودان، ولكن الطفل مات في أثناء الطريق الطويلة، فَلَمْ يُعَزِّ الطَّبِيبُ هَذِهِ الأُمَّ الثَّكْلَى بل جلس يكرز عليها [6].
اسم الکتاب : التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي المؤلف : الخالدي، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 62