responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي المؤلف : الخالدي، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 173
الكَنَسِيَّةِ». ثم يعود فيقول: «إِنَّ البْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ لاَ تُعَارِضُ القَوْمِيَّةَ». ثم يذكر أيضًا أن الدولة العثمانية تخاف انتشار الروح القومي بين رعاياها. أما ما يريده (رشتر) فهو أن يَحُلَّ الرُّومَ الأرثوذكس - في هذا المقام - من تضامنهم مع أبناء الكنائس الشرقية الأخرى حتى يجتذبهم هو إلى البروتستانتية.

والمبشرون عند البحث في القومية أبعد الناس عن التصريح بما يعرفون من حقائق القومية وصلتها بالدين. لا شك أبدًا في أن الدين عنصر من العناصر التي تتضافر مجتمعة حتى تخلق القومية. إن البروتستانتية جُزْءٌ لا يتجزأ من القومية الهولندية والإنكليزية، بينما الأرثوذكسية جُزْءٌ أصيل في القومية اليونانية والبلغارية. ومن ذا الذي يستطيع أن ينكر أن الإسلام كان ولا يزال جُزْءًا أساسيًا في القومية التركية والإيرانية والأفغانية والمصرية والعراقية، بل من ذا الذي يستطيع أن ينكر أن النزاع الداخلي في عدد من بلدان الشرق، وإن كان قوميًا في ظاهره، هو في الحقيقة نزاع بين المثل الدينية العليا. هنالك في لبنان مثلاً تياران عظيمان: تيار يرى أهله أن يقيموا حول لبنان سُدًّا يحول بينهم وبين العالم العربي، على شرط أن يظل تحت السور دهليز يصل بين لبنان وبين الدول الكاثوليكية عامة وفرنسا خاصة. ثم هنالك تيار يرى أصحابه أن هذا السور حول لبنان ليس ضروريًا إذ لا حاجة بهم إليه، وإنما هم محتاجون إلى أن يتوسلوا بكل سبيل لمنع عودة الاستعمار الأجنبي بكل أنواعه إلى لبنان. إن لهذين الشعورين جذورًا كثيرة، بعضها بلا ريب مغروس في العاطفة الدينية الموروثة، بقطع عن اختلاف نظر الأديان إلى القومية وحقيقتها.

من أجل ذلك نرى أن تركيا على حق في التضييق على المبشرين، ذلك لأن تعدد المذاهب الدينية المتخاصمة في البلد الواحد يضعف ذلك البلد قوميًا [1]، لأنه يشعب فيه المسالك السياسية والقومية. إن النفوذ الفرنسي يسير دائمًا في ركاب التبشير الكاثوليكي، وإن النفوذ الأنكلو - أمريكي يتبع خطى التبشير البروتستانتي. أما النفوذ الروسي فكان يحتمي برجال الدين الأرثوذكس. فعلى الأمم والشعوب التي ترغب في صيانة حقيقتها القومية أو الوطنية أن تحول بين أبنائها وبين المبشرين، سواءً أكان هؤلاء المبشرون رجال دين فحسب أم كانوا في الحقيقة ستارًا يتسلل خلفه الاستعمار.

والمبشرون يقاومون القومية لسبب آخر. إن القومية في ظاهرها على الأقل حركة غير دينية [2]، فالرجل القومي قليل الاحتفال بالمؤثرات الدينية قليل الانجذاب نحو الأحوال

[1] cf. Addison 107
[2] Milligan 64 f
اسم الکتاب : التبشير والاستعمار في البلاد العربية عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى اخضاع الشرق للاستعمار الغربي المؤلف : الخالدي، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 173
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست