العالمية به في أساليبها ومادتها، وهو أولًا وآخرًا القوة المحولة التي غيرت صورة العالم، ونقلت حدود الممالك، وحولت مجرى التاريخ، وأنقذت الإنسانية العاثرة، فكأنما خلقت الوجود خلقًا جديدًا.
وما جاء في القرآن الكريم من أساليب الترغيب والترهيب، والتبشير والتحذير، والوعد والوعيد، على الأسلوب البالغ حد الإعجاز، يؤثر في القلوب ويستجيش الوجدان، ويثير العواطف ويأخذ بشكائم النفوس، ويعين على التقنن في أساليب الوعظ الخطابي عند حلول الأزمات، والحاجة إلى تأليف قلوب الجماعات، حتى إن الخطيب البليغ -الذي يحسن استخدام الآيات- يمكنه أن يدفع بالخطبة الواحدة من الملمات ما لا يدفع بالبيض المرهفات، ويملك من قلوب الرجال ما لا يملك بالأموال، كما صنع أبو بكر -رضي الله عنه- في خطبته يوم السقيفة.
أما السنة المطهرة فهي أعظم نبع بعد القرآن الكريم، يغترف منه الخطيب غرفًا ويعب منه عبًّا؛ أولًا: ليحيا هو في نفسه بالسنن، وليقيم بيته وأهله وحياته كلها على السنة، فيكون مرآة صافية للناس يرون فيها عيوبهم، ويتعرفون منها على جوانب النقص فيهم، فيقوِّمون العيوب ويستدركون النقص بمحاكاة الإمام والخطيب والاقتداء به.
وثانيًا: ليحفظ الكثير من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهديه في سننه، فيضمه إلى محفوظاته من القرآن الكريم ليستشهد بها في موضوعه، ويدلل بها على صحة فكرته، فهذا أدعى إلى الإذعان وأقوى في التسليم والانقياد، وأنصح للخطيب بعد أن يحفظ كتاب الله عز وجل حفظًا جيدًا أن يهتم بحفظ كتاب (رياض الصالحين)؛