وأما أقوال السلف في ذم العُجْب: فقد قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "الهلاك في شيئين: العُجب والقنوط". وقال مُطَرّف -رحمه الله-: لئن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا، أحَبّ إليَّ من أن أبيت قائمًا -أي: مصليًا- وأصبح معجبًا. لأنّ أبيت نائمًا: يعني: لا يقوم الليل، ويُصبح نادمًا على أنه نام ولم يصلِ بالليل في جوف الليل، فهذا يكون أحب إليه من أن يقوم الليل ثم يصبح فينظر إلى نفسه نظر إعجاب، ويمن على ربه ويستكثر ما صلى من تلك الليلة. وقيل في الحكم: لأن تضحك وأنت معترف بذنبك، خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك.
فظهر مما أوردناه أن العجب مذموم في القرآن والسنة وأقوال الأئمة، فكيف يدخل العجب على الدعاة؟
قد يدخل العجب على نفس الداعية من حيث لم يحتسب، ومن مداخل العجب أن يعجب الداعية كل العجب ببلاغته، وجمال منطقه، وطلاقة لسانه، ومن مداخله: أن يَغْتَبِطَ ويُسَرّ ويفْرَح حين يتحدث الناس عن أعماله ونشاطه، ومدى أثره وتأثيره، ومن مداخله: أن يَعْتَقِدَ أنّه أصبح ذا شهرة علمية، وشَخْصِيّة دعوية عالمية، ومن مداخله: أن يقتنع أنه إذا عالج في المجتمع مشكلة، أو أصدر في مجال العمل الإسلامي رأيًا، لا يستطيع أحدًا أن ينحو نحوه، أو يعمل مثله.
ومن مداخله: أن يرى الناس يعظمونه ويثنون عليه، ويقومون على خدمته، ومن مداخله: أن يَجِدَ المَدْعُويّن قد ازدحموا على درسه، ووثقوا به، وتجمعوا حوله. ولذلك رُوي عن بعض علماء السلف: أنه كان إذا كثر العدد في حَلقته أنهى درسه.