اسم الکتاب : النصر والتمكين آت بإذن الله المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 83
وإن هذا الإيحاء الذي يحمله ذلك النص القرآني، لا يقف عند حد القتال، فالقتال ليس إلا مثلا لما تكرهه النفس، ويكون من ورائه الخير .. إن هذا الإيحاء ينطلق في حياة المؤمن كلها. ويلقي ظلاله على أحداث الحياة جميعها .. إن الإنسان لا يدري أين يكون الخير وأين يكون الشر .. لقد كان المؤمنون الذين خرجوا يوم بدر يطلبون عير قريش وتجارتها، ويرجون أن تكون الفئة التي وعدهم الله إياها هي فئة العير والتجارة. لا فئة الحامية المقاتلة من قريش. ولكن الله جعل القافلة تفلت، ولقاهم المقاتلة من قريش! وكان النصر الذي دوّى في الجزيرة العربية ورفع راية الإسلام. فأين تكون القافلة من هذا الخير الضخم الذي أراده الله للمسلمين! وأين يكون اختيار المسلمين لأنفسهم من اختيار الله لهم؟ والله يعلم والناس لا يعلمون! ولقد نسي فتى موسى ما كانا قد أعداه لطعامهما - وهو الحوت - فتسرب في البحر عند الصخرة. «فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً. قالَ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً .. قالَ: ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا .. » .. وكان هذا هو الذي خرج له موسى. ولو لم يقع حادث الحوت ما ارتدا. ولفاتهما ما خرجا لأجله في الرحلة كلها! وكل إنسان - في تجاربه الخاصة - يستطيع حين يتأمل أن يجد في حياته مكروهات كثيرة كان من ورائها الخير العميم. ولذات كثيرة كان من ورائها الشر العظيم. وكم من مطلوب كاد الإنسان يذهب نفسه حسرات على فوته ثم تبين له بعد فترة أنه كان إنقاذا من الله أن فوّت عليه هذا المطلوب في حينه. وكم من محنة تجرعها الإنسان لاهثا يكاد يتقطع لفظاعتها. ثم ينظر بعد فترة فإذا هي تنشئ له في حياته من الخير ما لم ينشئه الرخاء الطويل.
إن الإنسان لا يعلم. والله وحده يعلم. فماذا على الإنسان لو يستسلم؟ إن هذا هو المنهج التربوي الذي يأخذ القرآن به النفس البشرية. لتؤمن وتسلم وتستسلم في أمر الغيب المخبوء، بعد أن تعمل ما تستطيع في محيط السعي المكشوف .. (1)
(1) - في ظلال القرآن للسيد قطب-ط1 - ت- علي بن نايف الشحود (ص: 461)
اسم الکتاب : النصر والتمكين آت بإذن الله المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 83