اسم الکتاب : النصر والتمكين آت بإذن الله المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 35
إن النظر في آثار الغابرين يهز القلوب. حتى قلوب المتجبرين. ولحظات الاسترجاع الخيالي لحركاتهم وسكناتهم وخلجاتهم وتصورهم أحياء يروحون في هذه الأمكنة ويجيئون، يخافون ويرجون، يطمعون ويتطلعون .. ثم إذا هم ساكنون، لا حس ولا حركة. آثارهم خاوية، طواهم الفناء وانطوت معهم مشاعرهم وعوالمهم وأفكارهم وحركاتهم وسكناتهم، ودنياهم الماثلة للعيان والمستكنة في الضمائر والمشاعر .. إن هذه التأملات لتهز القلب البشري هزا مهما يكن جاسيا غافلا قاسيا. ومن ثم يأخذ القرآن بيد القوم ليوقفهم على مصارع الغابرين بين الحين والحين: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى» .. لم يكونوا ملائكة ولا خلقا آخر. إنما كانوا بشرا مثلك من أهل الحاضرة، لا من أهل البادية، ليكونوا أرق حاشية وألين جانبا .. وأصبر على احتمال تكاليف الدعوة والهداية، فرسالتك ماضية على سنة الله في إرسال رجال من البشر نوحي إليهم ..
«أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ؟» .. فيدركوا أن مصيرهم كمصيرهم وأن سنة الله الواضحة الآثار في آثار الغابرين ستنالهم وأن عاقبتهم في هذه الأرض إلى ذهاب: «وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا».خير من هذه الدار التي ليس فيها قرار.
«أَفَلا تَعْقِلُونَ؟» .. فتتدبروا سنن الله في الغابرين؟ أفلا تعقلون فتؤثروا المتاع الباقي على المتاع القصير؟
ثم يصور ساعات الحرج القاسية في حياة الرسل، قبيل اللحظة الحاسمة التي يتحقق فيها وعد الله، وتمضي فيها سنته التي لا تتخلف ولا تحيد: «حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)».
إنها صورة رهيبة، ترسم مبلغ الشدة والكرب والضيق في حياة الرسل، وهم يواجهون الكفر والعمى والإصرار والجحود. وتمرُّ الأيام وهم يدعون فلا يستجيب لهم إلا قليل، وتكرُّ الأعوام والباطل في قوته، وكثرة أهله، والمؤمنون في عدتهم القليلة وقوتهم الضئيلة.
اسم الکتاب : النصر والتمكين آت بإذن الله المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 35