اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 76
باب كيف كان بدء الوحى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم
افتتح الحافظ البخارى هذا الباب، بل الكتاب كله بروايته لحديث: «إنما الأعمال بالنيات» ثم قال:
حدّثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أن الحارث بن هشام رضى الله عنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحى [1]؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس [2] وهو أشده علىّ، فيفصم [3] عنى وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا [4] فيكلمنى فأعي ما يقول، قالت عائشة رضى الله عنها: [1] للوحى معنى عام يطلق على صور من الإعلام الخفى الخاص الموافق لوضع اللغة منها: الرؤيا الصادقة، والنفث فى الروع، والإلهام، وإلقاء الملك، وله معنى خاص هو أحد الأقسام الثلاثة للتكليم الإلهى الوارد فى قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: 51]، وهذا الحديث فيه وصف القسم الأول وذكر الثالث، وأما الثانى وهو الكلام الإلهى من وراء حجاب بدون وساطة، فقد ثبت للنبى صلّى الله عليه وسلم فى ليلة الإسراء والمعراج ولموسى عليه الصلاة والسلام، وغير هذه الثلاثة من الوحى العام لا يعد من كلام الله تعالى التشريعى، والرؤيا الصادقة والإلهام ما وقع ويقع لغير الأنبياء. [2] المراد من التشبيه: أنه صوت كصلصلة الحديد المتصلة المتداركة التى تسمع من الجلاجل ونحوها ليس بكلام مؤلف من الحروف، والأقرب أن سببه وجود الملائكة وإن لم ير أحدا منهم فى حال سماعه. وكانت هذه الحالة أشد الحالتين عليه، لأنهما كما قال الحكيم ابن خلدون: انسلاخ من البشرية الجسمانية واتصال بالملكية الروحانية، والحالة الأخرى عكسها، لأنها انتقال الملك من الروحانية المحضة إلى البشرية الجسمانية. [3] يفصم- على وزن يضرب: ينفك وينجلى. [4] أى يظهر بصفة رجل ومثاله: وذلك أن الملك روح عاقل مريد له قوة التصرف فى المادة فهو يأخذ من مادة الكون الصورة التى يريدها، وأن علم الكيمياء فى هذا العصر يقرب إلى التصور هذا التصور بما ثبت فيه من تحول مادة من الكثافة إلى الطاقة وما بينهما بقوة الحرارة وأقواها الحرارة الكهربائية، والملك يتصرف فى الكهربائية كما يشاء. وقد شرحنا هذا المعنى فى تفسير قوله تعالى: وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف: 143]، راجع ص 162 - 167 ج 9 تفسير.
اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 76