اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 22
فالمؤمنون الذين يؤمنون بربوبيته ويعملون الصالحات تعبدا له يوفيهم أجورهم، ويزيدهم عليها ثوابا ونعيما، فضلا منه وإحسانا، والذين يستنكفون ويستكبرون
عنها يعذبهم عذابا أليما، ولا يجدون لهم من دونه- أى غيره- وليّا يتولى أمورهم ويغفر لهم، ولا نصيرا ينصرهم بشفاعة ولا فدية ولا غيرها، فلا يغرنهم ما يدعيه الرؤساء الذين استعبدوهم من أنّ خلاصهم وسعادتهم يكونان من غير أنفسهم.
(العاشرة) نداؤه للناس كافة فى الآيتين (174، 175) مبشرا لهم بأنه قد جاءهم البرهان العلمى العقلى من ربهم، وأنزل عليهم النور الساطع، وهو القرآن المبين لجميع الحقائق، فلا ينبغى لأحد منهم أن يصغى بعدها إلى تقليد الرؤساء والكهنة الذين استعبدوهم لرئاستهم وأهوائهم، وأثبت لهم أن الإيمان به، والاعتصام بحبله المتين، والدخول فى النور المبين، هو الذى يخرجهم من شقاء الدنيا ويدخلهم فى رحمة خاصة، وفضل عظيم، يمتازون بهما على غيرهم من البشر، ويهديهم بإرشاده وفيض نوره صراطا مستقيما من العلم والعمل، والحق والعدل والفضل، يكونون به سعداء الدنيا والآخرة.
هذا مضمون الوحى الإلهى المنزل على محمد رسول الله وخاتم النبيين المبين فى هذه الآيات، ظهر نوره فاهتدت به العرب، وحملته إلى شعوب العجم بالتبليغ له بالعلم والعمل، فاهتدى به السواد الأعظم ممن بلغتهم دعوته من المليين الكتابيين، والمجوس والوثنيين، والهمج المعطلين، لأنه دين البشر أجمعين. وقاومته الدول الدينية من نصرانية ومجوسية ووثنية، فنصره الله عليهم كلهم كما وعدهم حتى أظهره على الدين كله، ولا يزال ينصره وينشره بعد ترك دوله لدعوته، وإعراضهم عن هدايته. وما نزل بهم من عقوبته لهم كما أوعدهم، ولو ثبتوا على إقامته لعم نوره العالم، ولاستراح البشر من هذه العداوات الجنسية والوطنية والسياسية، ولو لقى غيره من الأديان مثل ما لقى من البغى والعدوان حوار مع الأستاذ بن لأصبح فى خبر كان.
ثم إن حاجة الأمم قد اشتدت فى عصرنا هذا إلى هدايته، حتى أشدها إمعانا فى عداوته، ولجاجا فى نكايته، وجهلا بحقيقته، فأخرجت هذا الكتاب من هداية القرآن، لتجديد دعوته بما يناسب ضرورة هذا الزمان، ولو أننى حين شرعت فى كتابة مباحثه فى المرة الأولى، أردت أن يكون كتابا مستقلا فى تجديد الدعوة إلى الإسلام، لافتتحته بهذه الآيات، وإن سبق لى تفسيرها المفصل فى آخر سورة النساء، ثم لنشرت بعض ما طويت من وجوه إعجازه، ولفصلت ما أجملت من مقاصد إصلاحه، ولبسطت ما قبضت من
اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 22