responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 193
قال أحد كبار العلماء الألمان فى الآستانة لبعض المسلمين وفيهم أحد شرفاء مكة: إنه ينبغى لنا أن نقيم تمثالا من الذهب لمعاوية بن أبى سفيان فى ميدان كذا من عاصمتنا (برلين). قيل له لماذا؟ قال: لأنه هو الذى حوّل نظام الحكم الإسلامى عن قاعدته الديمقراطية على عصبية الغلب، ولولا ذلك لعم الإسلام العالم كلّه، وإذن لكنا نحن الألمان وسائر شعوب أوروبا عربا مسلمين.
قد أعجبت هذا الألمانى عصبيته القومية، وخيلاؤه الأوروبيّة، التى عتلت قومه وجيرانهم إلى جحيم الحرب الأخيرة عتلا [1] فأخسرت أوروبا عشرين مليونا من الرجال، وألوف الملايين من الأموال، وباء فيها قومه بالخزى والنكال، وسيطرة الاستذلال، وإنما كان كره أن يكونوا قد اهتدوا بالإسلام، بما صرفت بصره وعصبيّته الألمانية، عن رؤية المصلحة الإنسانية الجامعة، ولو نظر فيها فأبصرها لعلم أنّ الأفضل والأمثل والأكمل للبشر توحيد شعوبهم بحيث يتفاضلون بعلوم أفرادهم وأعمالهم، لا بأنسابهم وأوطانهم ولغاتهم المفرقة بينهم، وهو قد علم من قبل أن هذه الجامعة الإنسانية لا سبيل إليها إلا بهداية الإسلام فلا تنال إلا به، ولو اهتدت به أوروبا اليوم لزالت أضغانها، ووجهت علومها وفنونها إلى إسعاد البشر وعمارة الأرض كلها، فإنّ إصرار الإفرنج على الكبرياء بجلدتهم البيضاء واحتقارهم للسود والحمر والسمر والصفر وهضمهم لحقوقهم، واستباحتهم لظلمهم. لمن أكبر العار على حضارتهم، وإن استثناءهم للأصفر اليابانى أخيرا من هذا الاحتقار، لما يلطخهم بعار فوق عار، وإن حضارة الإسلام الإنسانية الجامعة لتعلو عليها ألوف من الأميال لا الأمتار.
فهل يعقل أن يكون تقرير هذه الأصول التى توحّد الأمم والشعوب وتؤلف بينها بما يجمع كلمتهم عليها بالوازع النفسى لا بالقهر العسكرى من رأى أو إلهام نبع من نفس محمد الأمى فى سن الكهولة ففاق بها جميع الأنبياء والحكماء؟ أم الأقرب إلى العقل أن تكون بوحى من الله تعالى أفاضه عليه صلّى الله عليه وسلّم؟ [2].

[1] عتله إلى الشيء أو المكان جره بقهر ودفعه إليه بعنف.
[2] قولنا إن هذا أقرب إلى العقل مفهومه أن مقابله وهو أنه من رأى محمد صلّى الله عليه وسلّم ممكن أيضا وإن فاق به جميع الأنبياء والحكماء وهو من باب التساهل وإرخاء العنان ولا يمكن أن يقال مثله فى كل مقصد من هذه المقاصد العشرة، فما بالك بها كلها، وهل يعقل أن تكون آراء حدثت لأمى فى سن الكهولة فقررها ونفذها؟ كلا.
اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 193
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست