اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 173
المقصد الثالث من مقاصد القرآن إكمال نفس الإنسان من الأفراد والجماعات والأقوام
(بجعل الإسلام دين الفطرة السليمة، والعقل والفكر، والعلم والحكمة، والبرهان والحجّة، والضمير والوجدان، والحرية والاستقلال).
قد أتى على البشر حين من الدهر لا يعرفون من الدين إلا أنه تعاليم خارجة عن محيط العقل كلف البشر [1] مقاومة فطرتهم بها، وتعذيب أنفسهم ومكابرة عقولهم وبصائرهم خضوعا للرؤساء الذين يلقنونهم إياها، فإن انقادوا لسيطرتهم عليهم بها كانوا من الفائزين، وإن خالفوهم سرا أو جهرا كانوا من الهالكين، والحقّ الواقع أنهم كانوا بهذا الخضوع والخنوع من الخاسرين، ولكن عجز عقلاؤهم وحكماؤهم عن انتياشهم (وانتشالهم) من مهاوى التهلكة، وإخراجهم من ظلمات الشرك والظلم والاستبداد. إلى نور التوحيد والحرية والعدل والاستقلال.
حتى إذا بعث الله رسوله محمدا خاتم النبيين- يتلو عليهم آياته ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم مما كانوا فيه من الضلال المبين- كان هو الذى أخرجهم من الظّلمات إلى النور، وبيّن لهم أنّ دين الله الإسلام هو دين الفطرة، والعقل، والفكر، والعلم، والحكمة، والبرهان والحجة، والضمير والوجدان، والحرية والاستقلال، وأن لا سيطرة على روح الإنسان وعقله وضميره لأحد من خلق الله، وإنما رسل الله هداة مرشدون، مبشّرون ومنذرون كما تقدّم بيانه فى المقصد الذى قبل هذا، ونبين هذه المزايا بالشواهد المختصرة من القرآن فنقول:
1 - الإسلام دين الفطرة:
قال الله عزّ وجلّ: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم: 30].
الحنيف صفة من الحنف (بالتحريك) وهو الميل عن العوج إلى الاستقامة، وعن الضلالة [1] كلف بالتشديد من التكليف، وهو هنا مبنى للمجهول لأنه يتعدى بنفسه إلى مفعولين، وعلماء الأصول والفقه يعدونه إلى الثانى بالباء.
اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 173