اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 157
الكافرون بالآيات صنفان: مكذبون ومشركون، وعلاج كل منهما
الكافرون بآيات الله تعالى صنفان؛ صنف: يكذبها كلها ولا يؤمنون بشيء منها، وصنف: يشرك بالله غيره فيها فينحله ما هو خاص به عزّ وجلّ لا يقدر عليه سواه بدعوى أن الله تعالى هو الذى أعطاهم القدرة الغيبية على ذلك وصرفهم فى العالم كرامة لهم.
أى: هو الذى أشركهم معه، كما كان المشركون يقولون فى حجهم: (لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما تملك)، وإنما يتحامون ألفاظ العبادة والشرك والخلق دون معانيها. فيكذبون على الله تعالى وعليهم بما يكذبهم به كتابه المنزل، ونبيه المرسل، ولكنهم يؤولون ما هو حجة عليهم، ويحرفون ما هو شبهة لهم، فيحتجون به على جهلهم، كآية:
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الزمر: 34]، وهى كأمثالها فى جزاء جميع المؤمنين المتقين فى الآخرة، ويذكرون أن الله كان يرزق مريم عليها السلام بغير حساب، وما كان رزقها من فعلها، ولا يدرى أحد كيف سخره الله لها ويذكرون وحيه إلى أم موسى بإرضاعه وإلقائه فى اليم، وما هو من فعلها أيضا، وقد قيل بنبوتها، ويذكرون عرش ملكة سبأ وهو من آياته تعالى لنبيه سليمان، وليس فى الآية تصريح برؤيته مستقرا عنده كيف كانت، فقيل إن الذى جاء به جبريل، وقيل ملك آخر، وقيل ولى وهو وزير سليمان، وهذا من الإسرائيليات غير المعقولة.
إنّ إفساد هؤلاء الخرافيين للبشر فى دينهم ودنياهم لأشدّ من إفساد المنكرين للآيات المكذبين بها، ذلك بأنهم هم أكبر أسباب هذا الإنكار والتكذيب، وبزعمهم أن الأنبياء ومن دونهم من الصالحين يتصرّفون فى الخلق بما يخالف سنن الله تعالى فيه أو يبدلها بغيرها ويحولها عما وضعت له، وزعمهم أن الله هو الذى دعا الناس إلى هذا الاعتقاد وجعله أساس دينه، فكذّبوا بالدين من أساسه، فدعوى تصرف الأنبياء والصالحين فى الكون قول على الله بغير علم، وافتراء على الله بكونه شرعا لم يأذن به الله، وهو أشد أنواع الكفر بالله لأن ضرره متعد بما فيه من إضلال الناس باعتقاد باطل يتبعه عبادة باطلة غير مشروعة.
اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد الجزء : 1 صفحة : 157