responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 132
الركن الثالث للدين: العمل الصالح
الركن الثالث من مقاصد بعثة الرسل- وهو العمل الصالح- أثر لازم للإيمان بالله وبالحساب والجزاء فى الآخرة وثمرة له، وهو يمدّه ويستمدّ منه فكل من الإيمان والعمل يغذّى الآخر ويقويه، ويتوقف كمال كل منهما على الآخر؛ فمن فسد إيمانه فسد عمله، وكان رياء ونفاقا أو تقليدا صوريا. فلا يكون العمل صالحا مصلحا لعامله إلا بجعله على الوجه الذى شرعه الله لأجله. وهذا مكرر فى القرآن فى سور كثيرة لإصلاح ما أفسده البشر فيه يجعله تقليديا غير مزكّ للنفس ولا مصلح لشئون الاجتماع، ولكن دون تكرار توحيد الله وتقديسه الذى هو الأصل الذى يتبعه غيره، على أنه يقرنه به.
ولولا الحاجة إلى هذا التكرار فى التذكير والتأثير لكانت سورة العصر وحدها كافية فى الإصلاح العلمى العملى على قصرها، كسورة الإخلاص فى الركن الأول الاعتقادى، وكل منهما تكتب فى سطر واحد، فهما من معجزات إيجاز القرآن وهدايته، وكسورة الزلزلة فى الركن الثانى وهى تكتب فى ثلاثة أسطر؛ وقد روى الإمام أحمد، والطبرانى فى الكبير أن صعصعة بن معاوية أتى النبى صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7،
8]، فقال حسبى لا أبالى أن لا أسمع غيرها.
وروى أنّ بعض الأعراب سمع النبى صلّى الله عليه وسلّم يقرؤها فقال: يا رسول الله: أمثقال ذرة؟ قال:
«نعم». فقال الأعرابى: وا سوأتاه ثم قام وهو يقولها، فقال النبى صلّى الله عليه وسلّم: «لقد دخل قلب الأعرابى الإيمان». وروى عن زيد بن أسلم رضى الله عنه أن النبى صلّى الله عليه وسلّم دفع رجلا إلى رجل يعلمه فعلمه حتى بلغ هذه الآية فقال: حسبى- فذكر الرجل المعلم ذلك النبى صلّى الله عليه وسلّم فقال له: «دعه فقد فقه». نقل هذه الروايات وغيرها السيوطى فى الدر المنثور عن مخرجيها، ومنها أن بعض كبار الصحابة كان ربما يعطى المسكين حبة عنب ويقول إن فيها ذات كثيرة، اهتداء بهذه الآية، وبقوله صلّى الله عليه وسلّم فى حديث مسلم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا».
فتدبر هذا تعلم منه قدر استعداد عقول العرب لهداية القرآن، وكيف صلحت به أنفسهم، وصاروا أئمة الناس فى الإصلاح، آمن بعضهم بأنه يرى فى الآخرة جزاء عمله خيره وشره وإن قلّ فكان كالذرة، فوطّن نفسه على عمل كل ما استطاع من الخير، وترك كل عمل من الشر، وهذا فقه الدين كله كما شهد له مبلغ الدين صلّى الله عليه وسلّم.

اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 132
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست