responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 103
بالحجة والبرهان فريدا وحيدا لا عصية له من قومه ولا سلطان؟ على أنه جاء بأعدل الأصول التى تبنى عليها أمة قوانينها عند تكوين دولتها فى الأحوال الملائمة لها. جاء لإصلاح الأخلاق والطباع بالحجة والقيمة وطرق الإقناع والخضوع لوازع الاعتقاد النفسى دون وازع الحكم القهرى. ليغير الناس ما بأنفسهم بالاختيار، لا بالقوة والإجبار فيغير الله ما بهم بمقتضى سنته فى نظام الاجتماع وقد نطق القرآن بأن الرسول إنما هو مبلغ ومذكر غير جبّار على النّاس ولا مسيطر.
كلا. إنّ هذه الثورة ما كان يمكن أن تحدث إلا بما حدثت به. وهو تأثير هذا القرآن فى أنفس الأمة العربية التى كانت أشد الأمم البدوية والمدنية استعدادا فطريا لظهور الإسلام فيها، كما بيناه فى كتابنا (خلاصة السيرة المحمدية)، وسنلم به قريبا.
ذلك بأن من طباع البشر فى معرفة الحق والباطل، والخير والشر، والعمل بمقتضى المعرفة وإن خالف مقتضى الأهواء والشهوات، والتقاليد والعادات، إن مجرد البيان والإعلام والأمر والنهى لا يكفى فى الحمل على التزام الحق ونصره على الباطل، ولا فى أداء الواجب ومن عمل الخير وترك الشر إذا عارض المقتضى العلمى لهما ما أشرنا إليه آنفا من الموانع النفسية والعلمية. إلا فى بعض الأفراد من الناس. دون الجماعات والأقوام. بل مضت سنّة الله فى تثبيت الحق والخير فى النفس، وصدور آثارهما عنهما بالعمل. أنه يتوقف على صيرورة الإيمان بهما إذا عانا وجدانيا حاكما على القلب. راجحا على ما يخالفه من رغب ورهب، وأمل وألم، وإنما يكون هذا فى الأحداث بالتربية العلمية العملية، والأسوة الحسنة لهم فيمن ينشئون بينهم من الوالدين والأقربين والمعاشرين.
وأما كبار السن فلا سبيل إلى جعل الإيمان بالحقّ المطلق والخير العام إذعانا وجدانيا لجمهورهم إلا بالأسلوب الذى نزل به القرآن. بل بالقرآن الممتاز بهذا الأسلوب، فقلب به طباع الكهول والشبان وأخلاقهم وتقاليدهم وعاداتهم، وحوّلها إلى أضدادها علما وعملا بما لم يعهد له نظير فى البشر، فكان القرآن آية خارقة للمعهود من سنن الاجتماع البشرى فى تأثيره. بالتبع لكونه آية معجزة لبشر فى لغته وأسلوبه: كما كان آية معجزة فى إصلاحه للأمم بهديه وتعليمه.

اسم الکتاب : الوحي المحمدي المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 103
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست