اسم الکتاب : بحوث ومقالات حول الثورة السورية المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 249
وفي خضم تلك الظلمات المتراكبة المتراكمة في سورية وأكنافها, وفي وقت كان الناس فيه أحوج ما يكونوا إلى دعاة ذي بصيرة, وعلماء ربانيين صادقين, عدمت السماء نجومها, وأفلت في الشام مصابيحها, ليخفت صوت الحق ويختفي, ويزداد الناس حيرة وتيها, ويتركوا فريسةً سائغةً للتيارات البعثية والعلمانية, ثم لتلحق المعرة والأوزار بظهور الكثير من الدعاة وأكتافهم, الذين لبسوا الحق بالباطل وكتموا الحق وهم يعلمون, والذين اشتكت منهم منابر المساجد وجأرت إلى ربها, تعاني كثرة الدجل ووفرة الدجالين, فعليها زبن للناس البعث واستحسنت جرائمه, وعليها تذاع البيانات "القطرية"في كل جمعة وخلال كل مناسبة, بيانات الحزب منقحة بما حرفوه من الكلم عن مواضعه ليناسب المقام, ومن على ظهر الكثير منها اليوم يدعى الناس للحور بعد الكون, والسكون بعد الفوران, بدعاوي الحكمة وتجنب سفك الدماء, من أناس لطالما أبرزتهم الفضائيات وصنعوا على عين النظام, ليكونوا واجهة أهل السنة هناك وأصحاب أمرهم, واليوم هم حراب الطاغوت في صدر ثورة الناس لوأدها ودفعها, ولكن هيهات ترد الطلقة بعد انسيابها, والثورة قد انطلقت وما لها من دافع, وسيل العزة تدفق ليجرف ما عفن من الرؤوس وفسد من الأفهام ..
فالطاغوت اليوم في سوريا يعيش حالة ارتباك وطيش جنوني, ينبؤ عن حجم الخوف الذي يعتريه من تفاقم الأمور وخروجها عن سيطرته, ومن ثم تزعزع ملكه وضعف سطوته, فتحيق بآل الأسد وزبانيتهم دائرة السَّوء, وما مآل آل مبارك عنهم ببعيد, وسينزل بهم ما كانوا يحذرون بحول الله وقوته ..
ولذلك فنظام الرذالة يلعب بآخر أوراقه, ومنها ورقة العمائم واللحى, وكل داعيةٍ وخطيبٍ سقيم الجنان عليم اللسان, واستغلالهم لتخدير الناس وتفتير هممهم, حتى تثبط العزائم, وتفرق الجموع, وتوصد الأبواب, ثم يثوب الناس إلى سيرتهم الأولى, التي إن قدر الله وعادت, فلن تكون كالأولى بحال, بل أشدّ وأنكى, وستلتهم سراديب السجون السرمدية, كلّ من سينبوعنه سيف الانتقام البعثي النصيري, الذي سيكون حينها أحدّ شفرة وأعدم رحمة, وسيأتي على كل من حرض أوشارك أولم ينكر إذ سمع!
ولهذا فقد عمد النظام إلى حشد كل من عدم ماء الوجه ممن ينتسب للعلم والدعوة, ليجعلهم أداة في حربه, ومرقاة إلى مراده, فيبرزهم في إعلامه الذي كان إلى عهد قريب محرما على أكثرهم إلا من أجاد منهم فنون التملق والحقارة والابتذال, وهاهم اليوم يخرجون ليجلدوا الضحية ويطعنوا في الثورة والأبرار المشاركين فيها, دون أن ينزوي الدم في وجوههم حياءاً وخجلاً من مئات الثكلى واليتامى, وآلاف الجرحى والأسرى, وما لا يحصى من قصص الآلام والمعاناة التي كابدها الناس في ثورتهم هذه, والتي ما زالوا يرفدونها فداءاً ودماءاً وعطاءاً غير مجذوذ, بلا كلل أوملل, زحفاً بالصدور العارية إلى آخر النفق المظلم, حيث بصيص النور وباب الفرج والتحرير ..
إن على الدعاة والعلماء اليوم في هذه الظروف الحرجة, والتحولات المصيرية والمهمة, أن يعروا للناس أبواق النظام ممن يلبس مسوح الدين وطيالسة العلماء الصالحين, وأن يكشفوا تلبيسهم ويهتكوا
اسم الکتاب : بحوث ومقالات حول الثورة السورية المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 249