الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هوإليه المصير, القائل في محكم تنزيله (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرِّجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليّاً واجعل لنا من لدنك نصيراً) ,والصلاة والسلام على النبي الأكرم, والرسول الأعظم, القائل (ما من امرئٍ يخذل امرءاً مسلماً في موطنٍ ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطنٍ يحبُّ فيه نصرته وما من أحد ينصر مسلماً في موطنٍ ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) ,وعلى آله وصحبه وسلم .. أما بعد:
فبعد انصرام عقودٍ تقطر ظلماً وقهراً, وانقضاء أزمنةٍ استحكمت فيها حلقات الطغيان على بلاد الشام, وأطبقت نواجذ الكفر والإجرام على صدور أبناء الإسلام, فاجتالوا الكثير منهم عن دينهم وأزاغوا عن الحق أبصارهم, ومن لم يلق لهم القياد سفعوا بناصيته إلى دركات زنازينٍ تستجير منها دياجير الأرض وسجونها, ومن أعلى طرفه ينشد كرامةً مهدورةً أوعزةً مفقودةً, عاجله سوط الكلاب, وتناوله مخلب الذئاب قبل أن يرتدّ إليه طرفه, حتى غدت بلاد سورية الطاهرة مضرباً للأمثال في فنون إذلال الرجال, وارتفعت راية النذالة والحقارة سنوات عجاف طوال, لتظلل الناس بظلّ من يحموم, ولتحيط البلاد سرادق الخوف وأسوار الرعب المستمر, فلا هامة تنتصب ولا صوت يرتفع, إلا هامات الظالمين وأصوات سلاسلهم على ظهور البسطاء الضعفاء, فاستنسروا في الأرض واستأسدوا فيها, وطغوا وبغوا وعتواً عتواً كبيراً, وما كانوا سابقين ..
فإذا بالليل الداجي قد آذن بالأفول, وإذا بأمة الإسلام في سوريا قد اهتزت وربت, وثارت وأرعدت, نافضةً غبار الذل عن جبينها بعد أن تعفر ذلاً وعاراً, مطلقةً العنان لصيحات قهرها بعد سكون حراكها وخشوع صوتها, فلم تكن ترى لها ظلاً ولا تسمع لها همساً, فإذا بالمطاف ينتهي بهم إلى طوق النجاة, وبداية الفكاك ..
وإذا بالأحرار من أهل الشام يشيدون صرح حريتهم بروافد دمائهم وجمر كلماتهم, ويكابدون الآهات والآلام, في مخاض عسير يبشر بولادة عظيمة تستأهل هذا الثمن, وتستحق تلك التضحيات ..
للحرية الحمراء بابٌ ... بكل يد مضرّجةٍ يدقُّ
وقد آن لأهل الشام أن يخرجوا أضغانهم وأحقادهم على كلاب نصيريةٍ جبانةٍ رعديدةٍ, تغذت بدمائهم وارتقت على أوصالهم, وسامتهم سوء العذاب بغياً وعدواً, وحق لهم أن يؤمِّلوا ما سيدركوه بحول الله وقوته, فهاهي الأصنام تهوي تباعاً, وهاهم الطغاة العتاة يندثروا سراعاً, وقد أهلك الله سبحانه في تونس
اسم الکتاب : بحوث ومقالات حول الثورة السورية المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 246