اسم الکتاب : تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 252
الهجرة - على سبيل المثال - لم يترك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرا من الأمور إلا أعد له عدته، وحسب له حسابه، ورسم له خطته على نحو يستوعب كل الطاقات والوسائل.
فقد أعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرواحل والدليل، واختار الرفيق والمكان الذي سيتوارى فيه - هو وصاحبه - حتى يهدأ الطلب، ويفتر الحماس، وأحاط ذلك كله بما يمكن للبشر من أخذ الحذر، والكتمان، وأسباب الاحتياط، وترك للإرادة الإلهية - بعد ذلك - ما لا حيلة له فيه [1].
وكذلك الأمر بالنسبة لغزوة بدر، وأحد، والأحزاب ... وجميع غزواته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وكل أموره.
وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوجه أصحابه دائما إلى مراعاة هذه السنة الربانية، في أمورهم الدنيوية والأخروية على السواء, ففي أمورهم كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرشدهم دائما إلى الأخذ بما يمكن من أسباب للوصول إلى حياة كريمة بعيدا عن ذل السؤال ومهانة العوز والحاجة، روى أبو داود والترمذي عن أنس - رضي الله عنه - أن رجلا من الأنصار أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عطاء، فقال الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى. حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه، قال: ائتني بهما، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده وقال: من يشتري مني هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثا، فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه فأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال له: اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فائتني به، فأتاه به، فشد فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عودًا بيده، ثم قال: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوما, فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا, فقال له [1] أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة المقبلة, د. القرضاوي، ص17، 18.
اسم الکتاب : تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 252