اسم الکتاب : تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 220
هي غاية الوجود الإنساني كله, ما نفهم من قول الله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
لقد كان الجيل الأول لهذه الأمة يفهم الحياة كلها على أنها عبادة تشمل الصلاة والنسك, وتشمل العمل كله, وتشمل لحظة الترويح كذلك, فلا شيء في حياة الإنسان كلها خارج من دائرة العبادة, وإنما هي ساعة بعد ساعة في أنواع مختلفة من العبادة, كلها عبادة وإن اختلفت أنواعها ومجالاتها [1].
وبهذا الفهم العميق لمفهوم العبادة حققت تلك الأمة في سالف عهدها ما حققته من منجزات في كل اتجاه, فحين كانت تمارس الأمة إيمانها الحق, وعبادتها الحقة, وكانت الأخلاق في حسها جزءًا من العبادة المفروضة على المسلم, حدثت إنجازات هائلة لم تتكرر في التاريخ, ففي أقل من نصف قرن امتد الفتح الإسلامي من الهند شرقًا إلى المحيط غربًا, وهي سرعة مذهلة لا مثيل لها في التاريخ كله, ولم يكن الكسب هو الأرض
التي فتحت, وإنما كان الكسب الأعظم هو القلوب التي اهتدت بنور الله فدخلت في دين الله أفواجًا [2].
وما كانت تلك الأمة لتقدر على دك حصون الشرك, واقتلاعها بمثل هذه السهولة, وبمثل هذه السرعة, وما كانت لتقدر على إبراز تلك المثل الرفيعة التي أبرزتها في عالم الواقع, من إقامة العدل الرباني في الأرض, ونظافة التعامل, والوفاء بالمواثيق, وشجاعة النفس, والبطولة الفذة في ميدان الحرب والسلم سواء, وما كانت لتقدر على إنشاء حركتها العلمية الضخمة, ولا حركتها الحضارية السامقة .. ما كانت لتقدر على ذلك كله, ولا على شيء منه, لولا هذا الإحساس العميق لديها بأنها في ذلك كله تقوم بالعبادة التي خلق الله الإنسان من أجلها وتقوم به بذات الحس الذي تؤدي به الصلاة [3]. [1] المصدر السابق نفسه, ص 203 - 204. [2] المصدر السابق نفسه, ص 222. [3] انظر: مفاهيم ينبغي أن تصحح, ص192.
اسم الکتاب : تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 220