responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تعريف عام بدين الإسلام المؤلف : الطنطاوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 56
قبل أن يعلم بوجوده، فهل يمكن أن يقال انه هو الذي أوجد نفسه؟ سل هذا الكافر الملحد - ان لقيته - وقل له: هل خلقت أنت نفسك بارادتك وعقلك؟ هل أنت الذي ادخلت نفسك في بطن أمك؟ وهل أنت الذي اختار هذه المرأة لتكون له أما؟ وهل أنت الذي ذهب بعد ذلك فجاء بالقابلة لتخرجه من هذا البطن؟ فهل خلق اذن من العدم بلا فاعل ولا خالق؟ هذا مستحيل.
فهل خلقته اذن هذه الموجودات التي كانت من قبله؟ الجبال والبحار والشمس والكواكب؟
(ديكارت) لما جرّب مذهب الشك الذي اشتهر به [1] وشك في كل شيء، وصل إلى نفسه. فلم يستطع أن يشك فيها؟ لأنه هو الذي يشك ولا بد في الشك من شاك، لذلك قال كلمته المشهورة (أنا أفكر فأنا موجود [2])، موجود لا شك في وجوده، فمن أوجده؟ هل أوجدته هذه الكائنات المادية؟ انها جمادات لا عقل لها، وهو عاقل، فهل يمنح العقل من ليس بعاقل؟ هل يعطي الشيء فاقده؟
وهذا هو موقف ابراهيم أبي الانبياء عليه السلام، لما رأى أباه (وكان مَثّالا) ينحت الاصنام بإزميله، يعمل من الحجر صورة، فيتخذها هو وقومه آلهة! حجر تصنعه يد الانسان ثم تعبده! اله أخلقه وأطلب منه أن يخلق لي ما أريد؟! هذا أمر لا يقبله العقل. فأين هو الاله الحق اذن؟
وذهب يبحث ويفكر، وأدركه الليل، وطلع عليه النجم براقا لامعا عاليا، لم يخرج من الأرض كالصخرة التي تصنع منها التماثيل. لم يعمله الانسان بيده ثم يعبده، وظن أنه وجد الاله الذي يبحث عنه، واذا بالقمر يطلع فيختفي النجم، ويرى القمر أكبر في النظر وأضوأ، فيؤمن بأن القمر هو الاله، ويرقبه الليل كله، فاذا بالشمس تطلع فتطفئ شعلة القمر، وتفيض النور على الأرض، فيقول هذا هو الاله. ولكن الشمس تأفل (تذهب) وتدع

[1] مذهب ديكارت في الشك: لم يكن جديداً، فهو مسبوق اليه. راجع (المنقذ من الضلال) للغزالي.
(2) " je pense donc je suis ".
اسم الکتاب : تعريف عام بدين الإسلام المؤلف : الطنطاوي، علي    الجزء : 1  صفحة : 56
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست