responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تهافت العلمانية في الصحافة العربية المؤلف : البهنساوي، سالم علي    الجزء : 1  صفحة : 55
إن هذه الحجة قد ولدت ميتة؛ لأن النظم البرلمانية هي التي لاَ تُخْضِعُ رئيس الدولة للمحاكمة أمام القضاء كما تدل على ذلك الدساتير، والتي إن أخذت بمبدأ المحاكم فإنها تجعل له محكمة خاصة وإجراءات خاصة، لأن الأساس في هذه النظم هو أن رئيس الدولة ذاته مصونة لا تمس، والإسلام يخالف ذلك تمامًا فرئيس الدولة يخضع للقضاء العادي ويحاسب ويحاكم كسائر أفراد الشعب كما هو ثابت في جميع المصادر التاريخية. ويقول اللهُ تعالى: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195]، وقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ المُشْطِ»، «كُلُّكُمْ لآدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ». والفصل بين السلطات مبدأ شرعة الإسلام وطبقه الرسول والخلفاء بعده، فالتشريع محدد في أحكام القرآن والسنة، فلا يستطيع الحاكم أن يشرع طبقًا لهواه وذلك خلافًا للعلمانية، والقضاء مستقل أيضًا عن الحاكم ويخضع له رئيس الدولة، والثابت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيَّنَ قُضَاةَ كما فعل الخلفاء من بعده.
ولقد كان الحكام والأمراء والخلفاء يخضعون لهذا القضاء كسائر أفراد الشعب، وحسبنا أن الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - قد قال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [1]. فالكتاب يشير إلى التشريع، والميزان إلى القضاء، والحديد إلى السلطة التنفيذية.
أما الاستشهاد بسجن ابن تيمية وتعذيب أحمد بن حنبل، فهو في غير محله، ذلك أن النظم المسماة بالديمقراطية يستغل فيها بعض الحكام هذا النظام فلا يقتلون فردًا أو يحبسونه فقط، بل يقتلون قُرَى وَمُدُنًا بِأَكْمَلِهَا، ومع هذا لا ينسب ذلك إلى النظام الديمقراطي بل إلى استغلال هذا النظام. والإسلام لا تسمح قواعده عند تطبيقها بهذا الاضطهاد وهذه المظالم ولا يجوز أن يكون خطأ بعض الحكام مبررًا لانتساب ذلك الخطأ إلى الإسلام. ويجب في ظل الحكم المستند إلى الشريعة الإسلامية أن ينص الدستور على مبدأ الفصل بين السلطات، وعلى ما يتعلق بمحاسبة الوزراء ورئيس الدولة في النظم الديمقراطية، وكذلك السيادة للأمة مما لا يخالف القرآن والسنة وفيما يقبل الاجتهاد في هذه النصوص بضوابط الاجتهاد الشرعية [2].

[1] [الحديد: 25].
[2] نشر في مجلة " المجتمع " يوم 3/ 4 / 1984؛ وفي جريدة " الوطن " يوم 5/ 4 / 1984؛ وفي جريدتي " القبس " و " السياسة " يوم 6/ 4 / 1986.
اسم الکتاب : تهافت العلمانية في الصحافة العربية المؤلف : البهنساوي، سالم علي    الجزء : 1  صفحة : 55
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست