اسم الکتاب : خصائص المنهج الإسلامي في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 373
وجوب إعداد العدة لمواجهة أعداء الإسلام
قال تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ. وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ».
فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد والنص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها ويخص «رباط الخيل» لأنه الأداة التي كانت بارزة عند من كان يخاطبهم بهذا القرآن أول مرة .. ولو أمرهم بإعداد أسباب لا يعرفونها في ذلك الحين مما سيجد مع الزمن لخاطبهم بمجهولات محيرة - تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا - والمهم هو عموم التوجيه: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ» .. (1)
(1) - عَنْ أَبِي عَلِيٍّ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،يَقُولُ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ. صحيح ابن حبان- ط2 مؤسسة الرسالة [11/ 7] (4709) صحيح
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ:" " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ "،أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيَ"،قَالَهَا ثَلاثًا (صحيح)
وعَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ:" " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ "،قَالَ: الْحُصُونِ". (صحيح)
وعَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ:" " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ "،قَالَ: الْقُوَّةُ: ذُكُورُ الْخَيْلِ". وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلُ ذَلِكَ (حسن)
وعن الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ:" " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ "،قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ:"الْقُوَّةُ: الْفَرَسُ إِلَى السَّهْمِ، فَمَا دُونَهُ". (صحيح)
وَرُوِيَ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّهُ قَالَ:"الْقُوَّةُ: السِّلاحُ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ قُوَّةِ الْجِهَادِ". وَرُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ:"السِّلاحُ". وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَخْرٍ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، أَنَّهُ قَالَ:"الْقُوَّةُ: الْعِدَّةُ، إِعْدَادُ مَا اسْتَطَعْتَ لَهُمْ مِنْ عِدَّةٍ".
وعَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ:"لَقِيَ رَجُلٌ مُجَاهِدًا وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إِلَى الْغَزْوِ، وَمَعَهُ جَوَالِقُ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَهَذَا مِنَ الْقُوَّةِ".تفسير ابن أبي حاتم [7/ 126]
إن المجتمع الإسلامى ـ كأي مجتمع في الحياة ـ له ذاتيته المتميزة، وله وجهته وفلسفته في الحياة .. وطبيعي أن تقوم في ظلّ هذه المعاني عصبية، هي التي تجتمع عليها الأمم والشعوب، وتقيم منها وحدة مميزة في مشاعرها، ومنازع أفكارها، ومتجه سلوكها .. كما كان لا بد أيضا أن يتعصب على هذه الأمم وتلك الشعوب أعداء يخافون قوتها، أو يطمعون في ضعفها، ومن هنا يكون الصراع الذي لا بد منه في الحياة، والذي لا بد له من قوة، ولا بد لهذه القوة من سيف، بل ومن سيوف! ونعود فنذكّر من نسى، فنقول: إن اليوم الذي تخلّى فيه المسلمون عن القوة، كان هو اليوم الذي فيه حينهم ومصرعهم، بأيدي من يملكون القوة ..
ثم لم يكن للمسلمين من قوة يستندون إليها إلا الإسلام، الذي منحهم الإيمان، والصبر، والعزم، وعمر قلوبهم باليقين بأن شاطىء النجاة قريب منهم، إن هم تمسّكوا بدينهم، وقاموا على شريعته، وأخذوا بهديه، والتمسوا أسباب القوة المادية التي أمرهم اللّه بها فى قوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» إلى جانب القوة الروحية التي عمر الإسلام قلوبهم بها .. ومن خلال هذه المشاعر كانت تنقدح فى صدور المسلمين شرارات الأمل والرجاء، فيشتدّ عزمهم، ويقوى إيمانهم، وتذهب وحشتهم، وهم فى صحبة دينهم، وفي ظلّ مما يفيء عليهم من خيره الكثير. التفسير القرآني للقرآن ـ دار الفكر العربي - القاهرة [5/ 664]
من أساليب الحرب النفسية ـ تخويف العدو وإرهابه، بما يرى فى جيش المجاهدين من أمارات القوة، ووسائل الغلب .. وشبيه بهذا ما تقوم به الأمم من عرض قوتها فى تلك العروض العسكرية، التي تكشف بها عن بعض عدتها وعتادها، على حين أنها إذ تكشف عن بعض قوتها، فإنها تشير إلى أن وراء هذا الذي أعلنته قوى كثيرة خفية، أشد أثرا، وأقوى فتكا، من هذا الذي عرف الناس أمره، وأن ذلك سرّ من أسرارها الحربية، التي لا تظهر إلا عند الحرب!!.
ولهذا الجانب من الحرب النفسية أثر كبير فى كسر شوكة العدو، وفى قتل مطامعه فى النّيل من عدوه، فلا يقدم على العدوان وهو يرى هذه القوى المهيأة للحرب، الراصدة لكل عدو .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» (60:الأنفال).كل هذا الذي يراه العدو في جيش المسلمين، من استخفاف بالموت، وإيثار للموت فى سبيل اللّه على الحياة، والثبات في ميدان المعركة حتى النصر أو الموت، والإعداد الدائم لعدد الحرب ورجالها ـ كل هذا يبعث الرعب فى قلوب الأعداء الذين يواجهون مثل هذا الجيش، الذي لا يرجع من المعركة إلا منتصرا، أو مستشهدا .. وإلى هذا يشير الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى قوله فى مقام تعداد فضل اللّه سبحانه وتعالى عليه، إذ يقول: «ونصرت بالرعب مسيرة شهر» أي أن أعداءه المحيطين به، يجدون فى أنفسهم رهبة له، ولجيش المسلمين، وذلك على امتداد مسيرة شهر بينه وبينهم، لما يتناقل الناس من أخبار المجاهدين المسلمين، واسترخاصهم لنفوسهم فى ميدان القتال، حتى ليكون ذلك حديث الدنيا كلها .. التفسير القرآني للقرآن ـ دار الفكر العربي - القاهرة [13/ 384]
اسم الکتاب : خصائص المنهج الإسلامي في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 373