اسم الکتاب : فكرة الإفريقية الآسيوية المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 78
في مصانع (رينولت) في باريس، وزميلهما في مصانع كروب في إسن ( Essen) أو في مصانع مولوتوف في موسكو.
فقبل أي تمييز سياسي أو ديني، وقبل أي اعتبار يخص التصنيف الإنساني يمثل هؤلاء العمال في نظره النموذج الاجتماعى نفسه، ولو أنه مد استكشافه نحو ضواحي طوكيو فلن يظهر له (الجنس الأصفر) في ملامح عامل مصانع ميتسوي ( Mitsui)، بل النموذج الاجتماعي نفسه الذي يتحرك داخل اللوحة الإنسانية في ديتروا أو في موسكو.
وحتى الآن ليس لدى الزائر السماوي دون شك أي سبب لأن يعقد علاقة سببية بين هذا النموذج الاجتماعي والمنظر الذي يحوطه، ولا أن يبين طبيعة علاقة من أي نوع بين هذين العنصرين في ملاحظته، ولكنه لن يعدم أن يكوّن عنها نوعاً من الارتباط في فكره، يمكنه عندما تسنح الفرصة من أن يصبح تداعياً للمعاني. أعني أساساً للمقارنة.
فلنتتبع الآن خطواته في ناحية أخرى على امتداد محور طنجة - جاكرتا.
إن المنظر الإنساني يتغير كله، فمنذ الخطوات الأولى تلوح (مدن الأكواخ) المتناثرة هنا وهناك في ضواحي الدار البيضاء مثلاً، فتغير تماماً لون تأثراته وانفعالاته، كأنما قد حدث عنده انفصال باطني في ذاته، داخل إطاره الشخصي. إذ حين يخلص المكتشف في رؤية خاطفة من ناطحات السحاب إلى مدن الصفيح والعشش والأكواخ، يكون التحول عميقاً بحيث يحدث هذا الانفصال الذي يتأكد كلما تابع المكتشف طريقه من طنجة إلى جاكرتا، وجمع في نفسه انفعالات مختلفة من الجزئيات والكليات عن أشكال الحياة الجديدة، تلك التي تراها عيناه في النسق الجديد.
إن المنظر الإنساني لم يعد هو الأول، فلا مداخن لمصانع، ولا مدناً صناعية ناشطة في ساعات معينة بالنهار، ساهرة بالليل من أجل الدعاية واللهو.
اسم الکتاب : فكرة الإفريقية الآسيوية المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 78