اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 217
ونزلت كلمات المدير على طموحي نزول سكين المقصلة على عنق المعدّم، فكان هذا الفصل الأول من مأساة خيبة الأمل وعدم جدوى العمل وحدي؛ وفي ذلك اليوم لم يتحطم فقط أملي بل شعرت أن حلم والدتي ووالدي تحطم أيضاً على صخرة الإرادة المقرَّرة في خفاء لدى الدوائر التي تسهر على المصالح الاستعمارية العلية.
لقد أدركت في تلك اللحظة نفسها ما سيتبع عبارات المدير من نتائج عملية دون أن أحللها، إذ لم أكن بعد قد اكتسبت خبرة هذا التحليل، الذي يريني اليوم بكل وضوح درجة القرابة بين هذه العبارات وما قاله لي قبل سنة مدير شؤون الطرق بمدينة (تبسة)، عندما سألته عن شروط الإسهام في المزايدة التي تجري كل سنة تحت إشرافه لإصلاح الطرق، أو لفتح طرقات جديدة في الناحية، وقد اهتممت حينئذ باستغلال وسيلة نقل كانت لدي أستطيع بها نقل مواد الطرق من أحجار وغيرها.
ولكن عوض أن يدلي إليّ بالمعلومات المطلوبة، أدلى إليّ سيادته بنصيحة:
- الأفضل أن تبيع ما عندك من وسائل نقل إلى مسيو (كانبون) أو مسيو (سبيتري) فإن المزايدة بين أيديهما.
واليوم بعد أربعين سنة، أرى بكل وضوح أن الرجلين، المدير المتواضع لشؤون الطرق بتبسة والمدير المحترم لمعهد الدراسات الشرقية، إنما يتكلمان لغة واحدة (لغة الاستعمار): فهذا حرمني من أن أصبح مقاولاً في مصلحة الطرق وذاك حرمني من فتح مكتب محاماة بتبسة بعد سنوات الدراسة بباريس.
ولم أكن أشعر أن الأقدار كانت تحيك أمرها بطريقتها، ولا أتذكر اليوم كم مرّ عليّ حينذاك من وقت عشته وأنا لا أعلم كيف أوجه خطواتي، وذلك قبل أن يزورني صديقي الفنان، وإذا (رونيه) يزورني ليقص عليّ ملاحمه الغرامية
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي الجزء : 1 صفحة : 217