responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي    الجزء : 1  صفحة : 214
كنت في هذه الفترة تعرفت أيضاً على مصور زيتي شاب اسمه (رونيه)، يتأهب للزواج من فتاة يزور أهلها من حين إلى آخر، فأخذني مرة في إحدى زياراته لأسرة خطيبته، وكانت أسرة برجوازية بكل ما تتضمن الكلمة من جوانب مدح أو ذم في تلك الفترة التي كانت فيها البرجوازية هي الأمينة على تقاليد المجتمع الفرنسي، والمحافظة على كل سخافاته في آن واحد.
لقد أثارت زيارتي كل الاهتمام وكانت موضوع الملاحة من طرف الأم الأيّم وبناتها مع شيء من الاستغراب، لأنني لم أكن أقدم بلحمي ودمي الصورة الذهنية التي ألفها القوم عن (أهلي) الجرائر، كما صورتها لهم روايات أو صحافة ذلك العهد. وقد تناست الأسرة الكريمة حتى اللون المشرق لبزّتي، مع أن الأم قد حدّقت وصعّدت فيّ النظر من أقدامي إلى رأسي عندما وصلت، غيرأنني لاحظت - عندما دار الحديث طليّاً عن أحوال الأدب، وذكر بمجرد الصدفة اسم (ربندرانات طاغور)، وتكلمتُ عنه ما تكلمت- لاحظت أن أصغر البنات سنا قاطعتني قائلة:
- آه! تعرفون (طاغور)؟
فصوبت لها الأم نظرة قاسية، تظاهرتُ بأنني لم أرها. وكانت زياراتي إلى هذه الأسرة مع صديقي (رونيه) تكشف لي عن الحياة الأوربية من الداخل في نطاق عائلي، بينما لم أكن في الجرائر أعرفها إلا من الخارج، وكانت اتصالاتي داخل (الوحدة) تكشف لي عن الجانب الروحي الذي لم أكن ألمسه البتة في الإطار الاستعماري، كأنما الموظف الإداري الذي يمتطي الباخرة بمرسيليا متوجهاً إلى الجزائر، يتجرد من كل ميزاته الحضارية.
لم أتعرف بعد على الحي اللاتيني، ولكن ساقتني الصدفة خلال عشية في أحد تجولاتي، إلى ضفة السين حيث يقوم سوق الكتب المستعملة، وتقوم الزبائن

اسم الکتاب : مذكرات شاهد للقرن المؤلف : مالك بن نبي    الجزء : 1  صفحة : 214
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست