اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 97
التاريخ .. وهم بجهالتهم هذه أو بسوء نيتهم يحرمون البشرية التطلع إلى المنهج الوحيد الذي يمكن أن يقود خطاها إلى السلام والطمأنينة، كما يقود خطاها إلى النمو والرقي .. ونحن الذين نؤمن بهذا المنهج نعرف إلى ماذا ندعو. إننا نرى واقع البشرية النكد، ونشم رائحة المستنقع الآسن الذي تتمرغ فيه. ونرى. نرى هنالك على الأفق الصاعد راية النجاة تلوح للمكدودين في هجير الصحراء المحرق، والمرتقى الوضيء النظيف يلوح للغارقين في المستنقع ونرى أن قيادة البشرية إن لم ترد إلى هذا المنهج فهي في طريقها إلى الارتكاس الشائن لكل تاريخ الإنسان، ولكل معنى من معاني الإنسان! وأولى الخطوات في الطريق أن يتميز هذا المنهج ويتفرد، ولا يتلقى أصحابه التوجيه من الجاهلية الطامة من حولهم .. كما يظل المنهج نظيفا سليما. إلى أن يأذن اللّه بقيادته للبشرية مرة أخرى. واللّه أرحم بعباده أن يدعهم لأعداء البشر، الداعين إلى الجاهلية من هنا ومن هناك! .. وهذا ما أراد اللّه سبحانه أن يلقنه للجماعة المسلمة الأولى في كتابه الكريم وما حرص رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أن يعلمها إياه في تعليمه القويم .. (1)
وقال تعالى: «قُلْ: أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ اللَّهُ. شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ، أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى؟ قُلْ: لا أَشْهَدُ، قُلْ: إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ، وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» ..
إن تتابع المقاطع والإيقاعات في الآية الواحدة عجيب وإن هذا التتابع ليرسم الموقف لحظة لحظة، ومشهدا مشهدا، ويكاد ينطق بملامح الوجوه فيه وخلجات الصدور ..
فها هو ذا رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يؤمر من ربه هذا الأمر .. ثم ها هو ذا يواجه المشركين الذين يتخذون من دون اللّه أولياء يجعلون لهم بعض خصائص الألوهية مع اللّه ويدعون رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أن يقرهم على هذا الذي هم فيه ليدخلوا هم فيما جاءهم به! كأن ذلك يمكن أن يكون! وكأنه يمكن أن يجتمع الإسلام والشرك في قلب واحد على هذا النحو الذي كانوا يتصورونه والذي لا يزال يتصوره ناس في هذا الزمان، من أنه يمكن
(1) - في ظلال القرآن للسيد قطب - ت- علي بن نايف الشحود [ص 703]
اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 97