اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 41
مفرق الطريق بين من يلتزم بعهد الله وبين من ينقضه
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)} [البقرة:26 - 27]
فأي عهد من عهود اللّه هو الذي ينقضون؟ وأي أمر مما أمر اللّه به أن يوصل هو الذي يقطعون؟ وأي لون من الفساد في الأرض هو الذي يفسدون؟
لقد جاء السياق هنا بهذا الإجمال، لأن المجال مجال تشخيص طبيعة، وتصوير نماذج، لا مجال تسجيل حادثة، أو تفصيل واقعة .. إن الصورة هنا هي المطلوبة في عمومها. فكل عهد بين اللّه وبين هذا النموذج من الخلق فهو منقوض وكل ما أمر اللّه به أن يوصل فهو بينهم مقطوع وكل فساد في الأرض فهو منهم مصنوع .. إن صلة هذا النمط من البشر باللّه مقطوعة، وإن فطرتهم المنحرفة لا تستقيم على عهد ولا تستمسك بعروة ولا تتورع عن فساد. إنهم كالثمرة الفجة التي انفصلت من شجرة الحياة، فتعفنت وفسدت ونبذتها الحياة .. ومن ثم يكون ضلالهم بالمثل الذي يهدي المؤمنين وتجيء غوايتهم بالسبب الذي يهتدي به المتقون.
وننظر في الآثار الهدامة لهذا النمط من البشر الذي كانت الدعوة تواجهه في المدينة في صورة اليهود والمنافقين والمشركين والذي ظلت تواجهه وما تزال تواجهه اليوم في الأرض مع اختلاف سطحي في الأسماء والعنوانات!
«الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ» .. وعهد اللّه المعقود مع البشر يتمثل في عهود كثيرة: إنه عهد الفطرة المركوز في طبيعة كل حي .. أن يعرف خالقه، وأن يتجه إليه بالعبادة. وما تزال في الفطرة هذه الجوعة للاعتقاد باللّه، ولكنها تضل وتنحرف فتتخذ من دون اللّه أندادا وشركاء .. وهو عهد الاستخلاف في الأرض الذي أخذه اللّه
اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 41