اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 372
اللّه؟ أفهذا يستوي مع المتواضعين الأتقياء؟ .. إلى آخر صور الإجابة على مثل هذا السؤال. وهو أسلوب كثير التردد في القرآن. وتجيب الآية بأحد هذه الأجوبة من بعيد: «فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ» ..
وكأنما يقول: إن مثل هذا قد كتب اللّه عليه الضلالة مستحقا لها بما زين له الشيطان من سوء عمله وبما فتح عليه هذا الباب الذي لا يعود منه ضال! فإن اللّه يضل من يشاء ويهدي من يشاء بما تقتضيه طبيعة الضلال في ذلك وطبيعة الهدى في هذا. طبيعة الضلال برؤية العمل حسنا وهو سوء. وطبيعة الهدى بالتفتيش والحذر والمحاسبة والتقوى .. وهو مفرق الطريق الحاسم بين الهدى والضلال.
وما دام الأمر كذلك «فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ» ..
إن هذا الشأن. شأن الهدى والضلال. ليس من أمر بشر. ولو كان هو رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إنما هو من أمر اللّه. والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن. وهو مقلب القلوب والأبصار .. واللّه - سبحانه - يعزي رسوله ويسليه بتقرير هذه الحقيقة له. حتى يستقر قلبه الكبير الرحيم المشفق على قومه مما يراه من ضلالهم، ومصيرهم المحتوم بعد هذا الضلال. وحتى يدع ما يجيش في قلبه البشري من حرص على هداهم، ومن رؤية الحق الذي جاء به معروفا بينهم! وهو حرص بشري معروف. يرفق اللّه سبحانه برسوله من وقعه في حسه، فيبين له أن هذا ليس من أمره، إنما هو من أمر اللّه. وهي حالة يعانيها الدعاة كلما أخلصوا في دعوتهم، وأدركوا قيمتها وجمالها وما فيها من الخير. ورأوا الناس في الوقت ذاته يصدون عنها ويعرضون ولا يرون ما فيها من الخير والجمال. ولا يستمتعون بما فيها من الحق والكمال. وأولى أن يدرك الدعاة هذه الحقيقة التي واسى بها اللّه - سبحانه - رسوله. فيبلغوا دعوتهم باذلين فيها أقصى الجهد. ثم لا يأسوا بعد ذلك على من لم يقدر له اللّه الصلاح والفلاح.
اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 372