اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 317
باطلهم، ولكن يملكون أدوات البطش والإرهاب ولا يستطيعون إقناع القلوب بجاهليتهم - وبخاصة تلك التي عرفت الحق فما عادت تستخف بالباطل - ولكنهم يستطيعون البطش بالمصرين على الإيمان، الذي أخلصوا الدينونة للّه فأخلصوا له السلطان.
ولكنه من سنة اللّه الجارية أنه عند ما يتمحض الحق والباطل، ويقفان وجها لوجه في مفاصلة كاملة تجري سنة اللّه التي لا تتخلف .. وهكذا كان .. «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ» .. الرجفة والجثوم، جزاء التهديد والاستطالة، وبسط الأيدي بالأذى والفتنة .. ويرد السياق على قولتهم: «لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ» .. وهي التي قالوها مهددين متوعدين للمؤمنين بالخسارة! فيقرر - في تهكم واضح - أن الخسران لم يكن من نصيب الذين اتبعوا شعيبا، إنما كان من نصيب قوم آخرين: «الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا. الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ» .. ففي ومضة ها نحن أولاء نراهم في دارهم جاثمين. لا حياة ولا حراك. كأن لم يعمروا هذه الدار، وكأن لم يكن لهم فيها آثار! ويطوي صفحتهم مشيعة بالتبكيت والإهمال، والمفارقة والانفصال، من رسولهم الذي كان أخاهم، ثم افترق طريقه عن طريقهم، فافترق مصيره عن مصيرهم، حتى لم يعد يأسى على مصيرهم الأليم، وعلى ضيعتهم في الغابرين: «فَتَوَلَّى عَنْهُمْ، وَقالَ: يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ؟» .. إنه من ملة وهم من ملة. فهو أمة وهم أمة. أما صلة الأنساب والأقوام، فلا اعتبار لها في هذا الدين، ولا وزن لها في ميزان اللّه .. فالوشيجة الباقية هي وشيجة هذا الدين، والارتباط بين الناس إنما يكون في حبل اللّه المتين .. (1)
(1) - في ظلال القرآن للسيد قطب - ت- علي بن نايف الشحود [ص 1773]
اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 317