اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 234
مفرق الطريق بين وراثة الأرض للصالحين وبين استيلاء المفسدين
قال تعالى: «وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ».
والزبور إما أن يكون كتابا بعينه هو الذي أوتيه داود عليه السلام. ويكون الذكر إذن هو التوراة التي سبقت الزبور. وإما أن يكون وصفا لكل كتاب بمعنى قطعة من الكتاب الأصيل الذي هو الذكر وهو اللوح المحفوظ، الذي يمثل المنهج الكلي، والمرجع الكامل، لكل نواميس اللّه في الوجود.
وعلى أية حال فالمقصود بقوله: «وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ... » هو بيان سنة اللّه المقررة في وراثة الأرض: «أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ» ..
فما هي هذه الوراثة؟ ومن هم عباد اللّه الصالحون؟
لقد استخلف اللّه آدم في الأرض لعمارتها وإصلاحها، وتنميتها وتحويرها، واستخدام الكنوز والطاقات المرصودة فيها، واستغلال الثروات الظاهرة والمخبوءة، والبلوغ بها إلى الكمال المقدر لها في علم اللّه.
ولقد وضع اللّه للبشر منهجا كاملا متكاملا للعمل على وفقه في هذه الأرض. منهجا يقوم على الإيمان والعمل الصالح. وفي الرسالة الأخيرة للبشر فصل هذا المنهج، وشرع له القوانين التي تقيمه وتحرسه وتكفل التناسق والتوازن بين خطواته. في هذا المنهج ليست عمارة الأرض واستغلال ثرواتها والانتفاع بطاقاتها هو وحده المقصود. ولكن المقصود هو هذا مع العناية بضمير الإنسان، ليبلغ الإنسان كماله المقدر له في هذه الحياة. فلا ينتكس حيوانا في وسط الحضارة المادية الزاهرة ولا يهبط إلى الدرك بإنسانيته وهو يرتفع إلى الأوج في استغلال موارد الثروة الظاهرة والمخبوءة.
وفي الطريق لبلوغ ذلك التوازن والتناسق تشيل كفة وترجح كفة. وقد يغلب على الأرض جبارون وظلمة وطغاة. وقد يغلب عليها همج ومتبربرون وغزاة. وقد يغلب عليها كفار فجار يحسنون استغلال قوى الأرض وطاقاتها استغلالا ماديا .. ولكن هذه ليست
اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 234