اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 157
والتعامل مع وعد اللّه هذا، مهما تكن ظواهر الأمور تخالفه، فوعد اللّه أصدق مما تراه عيون البشر وتقدره عقولهم! إنه الرعب لأن قلوبهم خاوية من السند الصحيح. لأنهم لا يستندون إلى قوة ولا إلى ذي قوة. إنهم أشركوا باللّه آلهة لا سلطان لها، لأن اللّه لم يمنحها سلطانا.
والتعبير: «ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً» ذو معنى عميق، وهو يصادفنا في القرآن كثيرا. مرة توصف به الآلهة المدعاة، ومرة توصف به العقائد الزائفة .. وهو يشير إلى حقيقة أساسية عميقة:
إن أية فكرة، أو عقيدة، أو شخصية، أو منظمة .. إنما تحيا وتعمل وتؤثر بمقدار ما تحمل من قوة كامنة وسلطان قاهر. هذه القوة تتوقف على مقدار ما فيها من «الحق» أي بمقدار ما فيها من توافق مع القاعدة التي أقام اللّه عليها الكون، ومع سنن اللّه التي تعمل في هذا الكون. وعندئذ يمنحها اللّه القوة والسلطان الحقيقيين الفاعلين المؤثرين في هذا الوجود. وإلا فهي زائفة باطلة ضعيفة واهية، مهما بدا فيها من قوة والتماع وانتفاش! والمشركون يشركون مع اللّه آلهة أخرى - في صور شتى - ويقوم الشرك ابتداء على إعطاء غير اللّه - سبحانه - شيئا ما من خصائص الألوهية ومظاهرها. وفي مقدمة هذه الخصائص حق التشريع للعباد في شؤون حياتهم كلها وحق وضع القيم التي يتحاكم إليها العباد في سلوكهم وفي مجتمعاتهم وحق الاستعلاء على العباد وإلزامهم بالطاعة لتلك التشريعات والاعتبار لهذه القيم .. ثم تأتي مسألة العبادة الشعائرية ضمن إعطاء هذه الخصائص لغير اللّه سبحانه، وواحدة منها! فماذا تحمل هذه الآلهة من الحق الذي أقام اللّه عليه الكون؟ إن اللّه الواحد خلق هذا الكون لينتسب إلى خالقه الواحد وخلق هذه الخلائق لتقر له بالعبودية وحده بلا شريك ولتتلقى منه الشريعة والقيم بلا منازع ولتعبده وحده حق عبادته بلا أنداد .. فكل ما يخرج على قاعدة التوحيد في معناها الشامل، فهو زائف باطل، مناقض للحق الكامن في بنية الكون. ومن ثم فهو واه هزيل، لا يحمل قوة ولا سلطانا، ولا يملك أن يؤثر في مجرى الحياة بل لا يملك عناصر الحياة ولا حق الحياة! وما دام أولئك المشركون يشركون باللّه ما لم ينزل به سلطانا من الآلهة
اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 157