اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 149
ولا سابقة ومن واجب من يريد استئناف حياة إسلامية أن يلغيه ويبطله، وأن يعود إلى الكتاب الذي أنزله اللّه بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه .. (1)
لقد كانت غزوة بدر - التي بدأت وانتهت بتدبير اللّه وتوجيهه وقيادته ومدده - فرقانا .. فرقانا بين الحق والباطل - كما يقول المفسرون إجمالا - وفرقانا بمعنى أشمل وأوسع وأدق وأعمق كثيرا ..
كانت فرقانا بين الحق والباطل فعلا .. ولكنه الحق الأصيل الذي قامت عليه السماوات والأرض، وقامت عليه فطرة الأشياء والأحياء .. الحق الذي يتمثل في تفرد اللّه - سبحانه - بالألوهية والسلطان والتدبير والتقدير وفي عبودية الكون كله: سمائه وأرضه، أشيائه وأحيائه، لهذه الألوهية المتفردة ولهذا السلطان المتوحد، ولهذا التدبير وهذا التقدير بلا معقب ولا شريك .. والباطل الزائف الطارئ الذي كان يعم وجه الأرض إذ ذاك ويغشي على ذلك الحق الأصيل ويقيم في الأرض طواغيت تتصرف في حياة عباد اللّه بما تشاء، وأهواء تصرف أمر الحياة والأحياء! .. فهذا هو الفرقان الكبير الذي تم يوم بدر حيث فرق بين ذلك الحق الكبير وهذا الباطل الطاغي وزيل بينهما فلم يعودا يلتبسان! لقد كانت فرقانا بين الحق والباطل بهذا المدلول الشامل الواسع الدقيق العميق، على أبعاد وآماد: كانت فرقانا بين هذا الحق وهذا الباطل في أعماق الضمير .. فرقانا بين الوحدانية المجردة المطلقة بكل شعبها في الضمير والشعور، وفي الخلق والسلوك، وفي العبادة والعبودية وبين الشرك في كل صوره التي تشمل عبودية الضمير لغير اللّه من الأشخاص والأهواء والقيم والأوضاع والتقاليد والعادات ...
وكانت فرقانا بين هذا الحق وهذا الباطل في الواقع الظاهر كذلك .. فرقانا بين العبودية الواقعية للأشخاص والأهواء، وللقيم والأوضاع، وللشرائع والقوانين، وللتقاليد والعادات ... وبين الرجوع في هذا كله للّه الواحد الذي لا إله غيره، ولا متسلط سواه، ولا حاكم من دونه، ولا مشرع إلا إياه .. فارتفعت الهامات لا تنحني لغير اللّه وتساوت الرؤوس لا تخضع إلا لحاكميته وشرعه وتحررت القطعان البشرية التي كانت مستعبدة للطغاة ..
(1) - في ظلال القرآن للسيد قطب - ت- علي بن نايف الشحود [ص 448]
اسم الکتاب : مفرق الطريق في القرآن الكريم المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 149