responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : هل يعتبر الفراعنة بمصرع من سبقهم المؤلف : الشحود، علي بن نايف    الجزء : 1  صفحة : 142
ففِي القِصَاصِ رَاحَةُ البَالِ، وَصِيَانَةُ النَّاسِ مِنِ اعتِدَاءِ بَعْضِهمْ عَلَى بَعْضِهِم الآخَرِ، لأَنَّ مَعْرِفَةَ النَّاسِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ يُعَاقَبُ بِالقَتْلِ، تَحْمِلُهُمْ عَلَى الارتِداعِ عَنِ القَتْلِ، فَتُصَانُ حَيَاةُ النَّاسِ، وَحَيَاةُ مَنْ يُفَكِّرُ بِالقَتْلِ. وَخَصَّ اللهُ تَعَالَى بِالنِّداءِ أَرْبَابَ العُقُولِ لِلدَّلاَلَةِ عَلَى أَنَّ الذِينَ يَفْهَمُونَ قِيمَةَ الحَيَاةِ، وَيُحَافِظُونَ عَلَيهَا هُمُ العُقَلاَءُ. وَإِذا تَدَبَّرَ أُولًو الأَلبَابِ الحِكْمَةَ مِنْ شَرْعِ القِصَاصِ حَمَلَهُمْ ذلِكَ عَلَى اتِّقَاءِ الاعتِدَاءِ، وَالكَفِّ عَنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ. (1)
إنه ليس الانتقام، وليس إرواء الأحقاد. إنما هو أجل من ذلك وأعلى. إنه للحياة، وفي سبيل الحياة، بل هو في ذاته حياة .. ثم إنه للتعقل والتدبر في حكمة الفريضة، ولاستحياء القلوب واستجاشتها لتقوى الله ..
والحياة التي في القصاص تنبثق من كف الجناة عن الاعتداء ساعة الابتداء. فالذي يوقن أنه يدفع حياته ثمنا لحياة من يقتل .. جدير به أن يتروى ويفكر ويتردد. كما تنبثق من شفاء صدور أولياء الدم عند وقوع القتل بالفعل. شفائها من الحقد والرغبة في الثأر. الثأر الذي لم يكن يقف عند حد في القبائل العربية حتى لتدوم معاركه المتقطعة أربعين عاما كما في حرب البسوس المعروفة عندهم. وكما نرى نحن في واقع حياتنا اليوم، حيث تسيل الحياة على مذابح الأحقاد العائلية جيلا بعد جيل، ولا تكف عن المسيل ..
وفي القصاص حياة على معناها الأشمل الأعم. فالاعتداء على حياة فرد اعتداء على الحياة كلها، واعتداء على كل إنسان حي، يشترك مع القتيل في سمة الحياة. فإذا كف القصاص الجاني عن إزهاق حياة واحدة، فقد كفه عن الاعتداء على الحياة كلها. وكان في هذا الكف حياة. حياة مطلقة. لا حياة فرد، ولا حياة أسرة، ولا حياة جماعة .. بل حياة .. ثم - وهو الأهم والعامل المؤثر الأول في حفظ الحياة - استجاشة شعور التدبر لحكمة الله، ولتقواه: «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» ..
هذا هو الرباط الذي يعقل النفوس عن الاعتداء. الاعتداء بالقتل ابتداء، والاعتداء في الثأر أخيرا ..
التقوى .. حساسية القلب وشعوره بالخوف من الله وتحرجه من غضبه وتطلبه لرضاه.

(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد (ص: 186، بترقيم الشاملة آليا)
اسم الکتاب : هل يعتبر الفراعنة بمصرع من سبقهم المؤلف : الشحود، علي بن نايف    الجزء : 1  صفحة : 142
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست