responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : وقفات على الطريق المؤلف : الشحود، علي بن نايف    الجزء : 1  صفحة : 297
وإنها للحظات ممتعة حقا تلك التي يقضيها الإنسان يتأمل وجوه الخلق وسماتهم وحركاتهم وعاداتهم، بعين العابد السائح الذي يجول في متحف من إبداع أحسن الخالقين. فكيف بمن يقضي عمره كله في هذا المتاع الرفيع؟
إن القرآن بمثل هذه اللمسة يخلق الإنسان خلقا جديدا، بحس جديد ويمتعه بحياة جديدة، ويهبه متاعا لا نظير له في كل ما يتصوره في الأرض من متاع. وعلى هذا النحو الرفيع من التأمل والإدراك يريد القرآن الناس. والإيمان هو الذي يمنح القلب البشري هذا الزاد، وهو الذي يهيئ له هذا المتاع العلوي. وهو بعد في الأرض في عالم الطين!
وبعد فقد كانت اللفتة الأولى إلى معرض الأرض وكانت اللفتة الثانية إلى معرض النفس. ثم تلتهما في السورة لفتة إلى معرض الغيب العلوي المطوي، حيث الرزق المقسوم والحظ المرسوم: «وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ» .. وهي لفتة عجيبة. فمع أن أسباب الرزق الظاهرة قائمة في الأرض، حيث يكد فيها الإنسان ويجهد، وينتظر من ورائها الرزق والنصيب. فإن القرآن يرد بصر الإنسان ونفسه إلى السماء. إلى الغيب. إلى اللّه. ليتطلع هناك إلى الرزق المقسوم والحظ المرسوم. أما الأرض وما فيها من أسباب الرزق الظاهرة، فهي آيات للموقنين. آيات ترد القلب إلى اللّه ليتطلع إلى الرزق من فضله ويتخلص من أثقال الأرض وأوهاق الحرص، والأسباب الظاهرة للرزق، فلا يدعها تحول بينه وبين التطلع إلى المصدر الأول الذي أنشأ هذه الأسباب.
والقلب المؤمن يدرك هذه اللفتة على حقيقتها ويفهمها على وضعها ويعرف أن المقصود بها ليس هو إهمال الأرض وأسبابها. فهو مكلف بالخلافة فيها وتعميرها. إنما المقصود هو ألا يعلق نفسه بها، وألا يغفل عن اللّه في عمارتها. ليعمل في الأرض وهو يتطلع إلى السماء. وليأخذ بالأسباب وهو يستيقن أنها ليست هي التي ترزقه، فرزقه مقدر في السماء، وما وعده اللّه لا بد أن يكون.
بذلك ينطلق قلبه من إسار الأسباب الظاهرة في الأرض بل يرف بأجنحة من هذه الأسباب إلى ملكوت السماوات. حين يرى في الأسباب آيات تدله على خالق الأسباب ويعيش موصولا قلبه بالسماء، وقدماه ثابتتان على الأرض. فهكذا يريد اللّه لهذا

اسم الکتاب : وقفات على الطريق المؤلف : الشحود، علي بن نايف    الجزء : 1  صفحة : 297
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست