اسم الکتاب : الاستعمار في العصر الحديث ودوافعه الدينية المؤلف : السقار، منقذ بن محمود الجزء : 1 صفحة : 8
وبدراسة الحملة الفرنسية وتحليل تاريخها يتوصل محمود شاكر إلى أمر هام مفاده أن الاستعمار يتحرك باتجاه البلاد الإسلامية ليس طمعاً في ثرواتها فحسب، وليس بهدف تبشيرها فقط، بل إنه يقرأ مسيرة الأمة الإسلامية من خلال الدراسات الاستشراقية الغربية، فإذا ما وجد محاولة جادة للنهوض بهذه الأمة من كبوتها تحرك لوأد هذا المولود قبل أن يكبر ويعيد ما كان قبل قرون.
وحملة نابليون على مصر أحد الأحداث الهامة التي يرى بعض المستغربين من أبناء المسلمين أنها كانت انطلاقة نحو النهضة، ولذا رأينا قبل شهور احتفالات هؤلاء بذكرى مرور مائتي سنة على دخول نابليون مصر.
وفي بيان حقيقة ما صنعه نابليون - وهو نموذج استعماري تكرر بشكل أو بآخر - يذكر محمود شاكر أن نهضة مصر إسلامية بدأت تعم عدداً من الأقطار الإسلامية وذلك في مطلع القرن الحادي عشر، ومن رواد هذه النهضة عبد القادر البغدادي (ت1093هـ) صاحب " خزانة الأدب " وحسن الجبرتي (الجبرتي الكبير) (ت 1188هـ) وكلاهما كان في مصر، ومحمد بن عبد الوهاب (ت 1206هـ) في الجزيرة العربية، والمرتضى الزبيدي (ت 1205هـ) صاحب " تاج العروس " في الهند ومصر، ومحمد على الشوكاني (ت 1250هـ) في اليمن.
فقد كان كل واحد من هؤلاء في موطنه معلماً من معالم النهضة الجديدة، فالجبرتي يقول ابنه الجبرتي (الصغير) في تاريخه وحضر إليه طلاب من الإفرنج، وقرأوا عليه علم الهندسة .... وأهدوا إليه من صنائعهم وآلاتهم أشياء نفيسة، وذهبوا إلى بلادهم، ونشروا بها ذلك العلم من ذلك الوقت .... ".
وهذه النهضة وإن كانت متباعدة الديار فإنها كما يصف محمود شاكر " قريبة التواصل وشيكة الالتئام".
وأرسلت نذر الاستشراق في بلاد المسلمين إلى أوربا مطالبة إياها بالتحرك قبل فوات الوقت، وكان من هذه الدعوات دعوة الكونت سان بريست سفير فرنسا في الأستانة 1768 - 1778م، والبارون دي توت الذي عاد من تركيا سنة 1776م ناصحاً باحتلال مصر، ومنهم التاجر مجالون الذي أقام في مصر ثلاثين سنة، ثم عاد إلى فرنسا عام 1797م، ثم سرعان ما عاد في ركاب حملة نابليون بعد أن قدم تقريراً ينصح فيه بغزو مصر، لكن هذه
اسم الکتاب : الاستعمار في العصر الحديث ودوافعه الدينية المؤلف : السقار، منقذ بن محمود الجزء : 1 صفحة : 8