اسم الکتاب : الجيل الموعود بالنصر والتمكين المؤلف : مجدي الهلالي الجزء : 1 صفحة : 57
- التزهيد في الدنيا:
كان صلى الله عليه وسلم حريصًا على تزهيد الصحابة في الدنيا، وعدم تعلقهم بها .. عن جابر رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بالسوق والناس كَنَفتيه - أي عن جانبيه - فمر بجدي أسكّ ميت، فتناوله، أخذ بأذنه، ثم قال: (أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟) فقالوا: " ما نحب أنه لنا بشئ، وما نصنع به؟ " ثم قال: (أتحبون أنه لكم؟) قالوا: " والله لو كان حيًا كان عيبًا، أنه أسكُّ، فكيف وهو ميت! " فقال: (فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم) [1].
تخيل معي مدى تأثير هذا الموقف على الحاضرين من الصحابة، وكيف سيتعاملون مع الدنيا بعد ذلك؟!
وفي يوم من الأيام امتلأ المسجد في صلاة الفجر بالصحابة - رضوان الله عليهم - فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكثير منهم جاء من أماكن بعيدة وذلك لعلمهم بأن أبا عبيدة بن الجراح قدم بمال من البحرين، فتبسم صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال: (أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء) قالوا: أجل يا رسول الله، قال (فأبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم) [2].
وعندما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن قال له: (إياك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين) [3].
- تزكية النفس:
أما في مجال تزكية النفس من قابليتها للفجور، ومن الشح المجبولة عليه .. فنجده صلى الله عليه وسلم يوجه أصحابه للأعمال التي بها تتزكى أنفسهم، وتُروض على الصدق والإخلاص لله عز وجل، والأحاديث في هذا الباب كثيرة،،، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (من تعظم في نفسه، واختال في مشيته، لقى الله وهو عليه غضبان) [4].
وقوله: (من تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله جهنم) [5].
وفي الصحيحين أنه قد دخل عليه يومًا أبو موسى الأشعري ورجلان من بني عمه، فقال أحدهما: يا رسول الله أمّرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنا والله لا نولي هذا العمل أحدًا سأله، أو أحدًا حرص عليه).
هذا من ناحية حماية أصحابة من أنفسهم وغلق أبواب الفتنة أمامها، أما دلالته لهم على أعمال تُقَوِِّي إخلاصهم لله عز وجل فكثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل) [6].
وفي مجال علاج النفس من الشح المجبولة عليه، كان صلى الله عليه وسلم يستحث أصحابه دومًا على الإنفاق في سبيل الله .. انظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو يقول لبلال رضي الله عنه: (انفق بلال ولا تخشى من ذي العرش إقلالا) [7]. [1] رواه مسلم، وأسك أي صغير الأذن. [2] متفق عليه. [3] رواه الإمام أحمد عن معاذ وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (2668). [4] أخرجه الإمام أحمد عن ابن عمرو وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (6157). [5] أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (6158). [6] صحيح، أخرجه الضياء والخطيب البغدادي غن الزبير، وأورده الألباني في صحيح الجامع، رقم (6081). [7] أخرجه الإمام أحمد في كتاب الزهد.
اسم الکتاب : الجيل الموعود بالنصر والتمكين المؤلف : مجدي الهلالي الجزء : 1 صفحة : 57