اسم الکتاب : الجيل الموعود بالنصر والتمكين المؤلف : مجدي الهلالي الجزء : 1 صفحة : 21
من خلال هذه الآيات يتبين لنا أن الخوف من الله ينبغي أن يملأ قلوب أبناء الجيل الموعود بالنصر والتمكين ... خوف مبعثه الإجلال والتعظيم والمهابة لله عز وجل، ومبعثه كذلك الشعور بالتقصير في القيام بحقوق العبودية ... وخوف من عاقبة الذنوب التي لا ينفك عنها بشر ... ومن التعرض لسوء الخاتمة، ومن سكرات الموت وحساب القبر، ومن أهوال يوم القيامة، ومن العرض على الله والتعرض للحساب، وعدم رجحان كفة الحسنات، وعدم الجواز على الصراط ...
وفارق كبير بين خوف عارض يهز المشاعر، ويُرسل العبرات، ثم يمضي إلى حال سبيله، وبين خوف دائم يملأ القلب ويجعله دائمًا في حالة من التذكر والانتباه ....
إن الخوف المطلوب وجوده في قلوب أبناء جيل التمكين هو الخوف الذي يدفع للعمل ويثمر التقوى والحذر والورع في كل الأقوال والأفعال، فيتحرى صاحبه الدقة في كلامه، ويترك الكثير من المباح مخافة الوقوع في الحرام ...
المطلوب هو خوف يدفع صاحبه لتعظيم شعائر الله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج:32). ويجعله مسارعًا في الخيرات: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ? وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ?وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ?وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ? أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (المؤمنون:57، 61).
معنى ذلك أن الخوف من الله له دور كبير في استقامة العبد على الصراط المستقيم ومن ثّم دخوله إلى دائرة الولاية والنصرة والكفاية الإلهية {إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (آل عمران:120).
- نماذج من خوف الصحابة:
وعندما نبحث عن هذه الصفة في جيل الصحابة نجد أنها قد تمكنت منهم تمكنًا شديدًا، وظهرت آثارها على حياتهم وسلوكهم، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو خير من في الأمة بعد الأنبياء وبعد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: يا ليتني كنت شجرة تؤكل ثم تعضد. وذُكر عنه أنه كان يمسك بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد، وكان بيكي كثيرًا ويقول: ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا [1].
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عند موته: والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن آراه ...
وكانت آخر كلماته قبل موته: ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي.
وهذا عثمان رضي الله عنه يقول: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير.
قال أبو عبيدة الجراح رضي الله عنه: وددت أني كبش فذبحني أهلي وأكلوا لحمي وحسوا مرقي.
وكان عبد الله بن عباس أسفل عينيه مثل الشراك البالي من الدموع ..
وهذا أبو ذر يقول: يا ليتني كنت شجرة تعضد، وددت أني لم أُخلق [2].
وقال رجل عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أكون من المقربين أحب إلىَّ. فقال عبد الله: لكن ههنا رجل ودَّ لو أنه مات لم يُبعث ... يعني نفسه.
وكان شداد بن أوس الأنصاري رضي الله عنه إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم فيقول: اللهم إنَّ النار أذهبت منى النوم، فيقوم فيصلي حتى يُصبح.
وهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: والله لوددت أني شجرة، والله لوددت أني كنت مَدَرة، والله لوددت أنَّ الله لم يكن خلقني شيئًا قط (3). [1] الداء والدواء لابن القيم 80 - 84. [2] حياة الصحابة 2/ 372، 373.
اسم الکتاب : الجيل الموعود بالنصر والتمكين المؤلف : مجدي الهلالي الجزء : 1 صفحة : 21