اسم الکتاب : الجيل الموعود بالنصر والتمكين المؤلف : مجدي الهلالي الجزء : 1 صفحة : 16
- ومنها: أنه يكثر من الاستغفار بعد أعماله الصالحة.
- ومنها: أنه يجاهد نفسه ولا يستسلم لخواطر العُجب، بل يعالجها ويسقيها الشراب المضاد الذي يعيد لها التوازن ويضعها في قالب العبودية.
- ومنها أنه لن يرى أنه مخلص، بل يسيء دومًا الظن بنفسه، ويتهمها بالنفاق و ... و ... وأشياء كثيرة تدل على الإخلاص التام لله عز وجل في التوجه والاستعانة.
- الجيل الأول والإخلاص:
الناظر والمدقق في سيرة الصحابة - رضوان الله عليهم - وهم الجيل الذي تحقق فيهم وعد الله بالاستخلاف والتمكين، يجد أن مظاهر صفة الإخلاص قد تجلت فيهم بوضوح.
انظر مثلًا إلى حرصهم على إخفاء أعمالهم والذي يتجلى في هذا الأثر:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، قال: فنقبت أقدامنا، فنقبت قدماي، وسقطت أظافري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق.
قال أبو بريدة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث ثم كره ذلك، كأنه يكره أن يكون شيئًا من عمله أفشاه [1].
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدخل المسجد فيرى معاذ بن جبل رضي الله عنه يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما يبكيك؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن اليسير من الرياء شرك، وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يُعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، ينجون من كل غبراء مظلمة) [2].
لقد كانوا شديدي الحذر من أنفسهم، وكانوا يقفون بالمرصاد أمام كل خواطر العُجب، يقول عروة: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلى عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين لا ينبغي لك هذا، فقال: لما أتتني الوفود بالسمع والطاعة دخَلَت في نفسي نخوة، فأحببت أن أكسرها، ومضى بالقربة إلى حجرة امرأة من الأنصار فأفرغها في إنائها ...
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يبعث برسالة إلى خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بعد انتصاراته في العراق يقول له فيها: فليهنك أبا سليمان النية والحظوة فأتمم يتم الله لك، ولا يدخلنك عُجب فتخسر وتُخذل، وإياك أن تُدل بعمل فإن الله له المن وهو ولي الجزاء [3].
وهذا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يؤم قومًا، فلما انصرف قال: مازال الشيطان بي آنفًا حتى رأيت أن لي فضلًا على من خلفي، لا أَؤم أبدًا [4].
وكانوا يتدافعون المدح ولا يستسلمون له فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لما أُثني عليه: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرًا مما يظنون.
وقال رجل يومًا لابن عمر رضي الله عنهما: يا خير الناس، وابن خير الناس، فقال: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله، أرجو الله وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تُهلكوه.
أما خوفهم على أنفسهم من النفاق فإليك هذا الخبر:
قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لحذيفة رضي الله عنه: أُنشدك الله هل سمَّاني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني من المنافقين؟ فيقول: لا، ولا أُزكِّي بعدك أحدًا [5]. [1] رواه مسلم. [2] أخرجه الطبراني والحاكم واللفظ له، وقال صحيح الإسناد. [3] الأخفياء لوليد سعيد بالحكم / 129 - دار الأندلس الخضراء - جدة - نقلًا عن تاريخ الطبري 3/ 385. [4] الزهد لابن المبارك برقم (834) ص 287. [5] الداء والدواء لابن القيم / 83 - دار ابن كثير - دمشق.
اسم الکتاب : الجيل الموعود بالنصر والتمكين المؤلف : مجدي الهلالي الجزء : 1 صفحة : 16