شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر
والشفاعة لأهل الكبائر على جهة الخصوص ثابتة للنبي عليه الصلاة والسلام، وما مضى من آثار إنما وردت في إثبات الشفاعة العامة لأهل الموقف إلا من كان مشركاً كافراً.
وأما أهل الكبائر فلهم شفاعة خاصة بهم؛ أصحاب الزنا والقتل والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك من كبائر المعاصي، فإن الله عز وجل قد حرم هذا، وجعله من كبائر الذنوب، وليعلم صاحب الكبيرة أن الله عز وجل إما أن يأذن في الشفاعة له وإما لا يأذن، فهو على خطر عظيم؛ ولذلك إقامة الحد على صاحب الكبيرة كفارة له، فإن تاب وتصدع قلبه ندماً وحسرة على كبيرته تاب الله عز وجل عليه: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70]، ومن مات مصراً عليها فهو في مشيئة الله: إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: يا أبا هريرة! لقد ظننت ألا يسألني عن هذا الحديث أول منك -يعني: لقد ظننت أنه لا يسألني أحد قبلك- لما رأيت من حرصك على الحديث والعلم؛ أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)، وفي رواية: (صادقاً من قلبه)، وفي رواية: (على ما كان عليه من عمل)، يعني: يقول: لا إله إلا الله ويأتي بمقتضياتها وواجباتها وملزوماتها، فالعبد إذا قال: لا إله إلا الله، وأبغض الله وأبغض الرسول، وحارب الله وحارب الرسول، وحارب القرآن والسنة هل تنفعه لا إله إلا الله؟ لا والله لا تنفعه؛ لأن (لا إله إلا الله) لها شروط ومقتضيات لابد أن يحققها العبد، وإلا فهو على خطر عظيم جداً بين يدي الله عز وجل يوم القيامة.
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة).
فاللهم ارزقنا شفاعته عليه الصلاة والسلام.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة: (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته -كل نبي دعا بدعوته في الدنيا- وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً)، أي: فهي مصيبة كل واحد من أمتي مات لا يشرك بالله شيئاً، أي: أنها من حظ كل مسلم مات على التوحيد وإن كان صاحب كبيرة، لكن ذلك مشروط بمشيئة الله عز وجل.
وأخرج ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل الله عز وجل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة)، فاختار الشفاعة؛ لأنها تنال أكثر من نصف الأمة في الموقف، فاختار النبي عليه الصلاة والسلام الشفاعة حرصاً على عصاة أمته، والدعاء المأثور: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) والمقام المحمود: هو الشفاعة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من سأل الله لي الوسيلة والفضيلة حلت له الشفاعة) أي: وجبت له شفاعتي يوم القيامة.
وعند الترمذي من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفاً وثلاث حثيات من حثيات ربي)، انظروا إلى هذا الفضل العظيم، يعني: سبعون ألفاً في سبعين ألفاً، زد على ذلك ثلاث حثيات يحثوها الرب تبارك وتعالى بيمينه، وهي من حثيات الرب لا من حثيات العبد.
وجاء عند أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه تماماً لهذا الحديث: (فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أي رب! إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي.
قال: إذاً: أكملهم لك من الأعراب).
وعند البيهقي من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله! قال: وهكذا وجمع يديه -أي: يحثو حثوة رب العزة تبارك وتعالى- فقال: زدنا يا رسول الله! قال: وهكذا -أي: حثا بيديه بحثيات الرحمن تبارك وتعالى- فقال عمر لـ أبي بكر: حسبك.
-أي: كفى هذا- فقال أبو بكر رضي الله عنه لـ عمر: دعني يا عمر! وما عليك أن يدخلنا الجنة كلنا؟!)، أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (