حديث أبي هريرة وأنس في الشفاعة الكبرى يوم القيامة
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذلك؟ يجمع الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغهم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم، اذهبوا إليه، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له: أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟! فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولم يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح! إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبداً شكوراً، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي عز وجل قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي.
نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم عليه السلام، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم! أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات -فذكرهن أبو حيان في الحديث- ثم قال: نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى عليه السلام، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى! أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس.
اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها.
نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى! أنت رسول الله وكلمته إلى مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد صبياً، اشفع لنا، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله -ولم يذكر ذنباً لنفسه- ثم قال: نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتون محمداً، فيقولون: يا محمد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: فأنطلق، فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك.
سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: يا رب! أمتي يا رب! أمتي، فيقال: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة -أي: ما بين قائمي الباب الواحد من أبواب الجنة- كما بين مكة وحمير -كما بين مكة واليمن- وفي رواية: أو كما بين مكة وبصرى -وهي اسم بلد من بلاد الشام-، وفي رواية: ما بين مكة وهجر).
هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، وأخرجاه كذلك من حديث أنس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يجتمع الله المؤمنون يوم القيامة، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم! أما ترى الناس ويذكرونه بما ذكروه من قبل حتى يأتوا محمداً عليه الصلاة والسلام عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيأتونني فأنطلق فأستأذن على ربي، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال لي: ارفع محمد ارفع محمد، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع.
فأحمد ربي بمحامد علمنيها، ثم أشفع فيحد الله عز وجل لي حداً فأدخلهم الجنة -يعني: يقسم لي من الناس قسماً فيدخلون الجنة بشفاعة النبي عليه الصلاة والسلام- ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال: ارفع محمد قل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم أشفع، فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة، ثم أرجع، فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: يا رب! ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود).
يا رب! لم يبق في النار أحد إلا من حبسه كفره بالقرآن الكريم، فهو من أهل الخلود فيها، فإنه لا شفاعة حينئذ.
وعند البخاري ومسلم من حديث مع