الجمع بين الآيات التي تثبت الشفاعة والآيات التي تنفيها
أما الآيات التي وردت تنفي وتثبت الشفاعة؛ فهي قول الله عز وجل: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:18].
هذه الآية ادعى فيها المشركون أن لهم شفعاء، فالله عز وجل نفى عنهم ذلك، وهي تدل دلالة عظيمة على أنه لا شفاعة لأحد عند الله إلا إذا كان قادراً على هذه الشفاعة.
فالشرط الأول: الشفاعة بالحق.
قال تعالى: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86].
إذاً: هناك شفاعة، ولكن لا شفاعة لأحد إلا إذا كان يشفع بالحق وهو يعلم أنه يشفع بالحق.
والشرط الثاني: إسلام المشفوع له؛ لأنه لا شفاعة لمشرك قط إلا لـ أبي طالب، قال الله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18]، والظالمون هم الكافرون، فما لهم من شفيع ولا حميم، ويستثنى من المشركين أبو طالب كما قلنا؛ لما أخرجه البخاري ومسلم من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! أرأيت أبا طالب وما كان يحوطك به ويغضب لك.
أينفعه ذلك؟) وأبو طالب مات على الكفر البواح على الشرك، ولم يقبل دعوة الله ولا هداه.
قال: (أينفعه ذلك يا رسول الله؟! قال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فإني أشفع له، فيخرج من قعر جهنم إلى ضحضاح) أي: ما زال باقياً فيها.
وفي رواية عند البخاري ومسلم: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن أهون أهل النار عذاباً لرجل يخرج من قعر جهنم حتى يقف على جمرتين يغلي منهما دماغه هو أبو طالب).
فشفاعة النبي عليه الصلاة والسلام أخرجت أبا طالب من أسفل سافلين إلى ضحضاح -ضاحية- من النار يقف على حجرين من نار يغلي منهما دماغه، ومع هذا نفعته شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام.
الشرط الثالث: الإذن للشافع؛ لأنه لا يأذن عند الله أحد إلا بإذن؛ ولذا قال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]؟ لا أحد.
والشرط الرابع: الرضا عن المشفوع له، وإن الله لا يرضى عن مشرك قط، وإنما يرضى عن المسلم وإن كان صاحب كبيرة، فإن الله يرضى بالشفاعة له، كما قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم:26].
فهذه هي الشروط التي اشترطها الله عز وجل لحدوث الشفاعة يوم القيامة، وبهذه الشروط نستطيع أن نجمع بين الآيات التي تنفي الشفاعة والآيات التي تثبتها.