إن أمثال هذه المواقف الرائعة دفع بطريك بيت المقدس في القرن التاسع للقول عن العرب في كتابه إلى بطريرك القسطنطينية: "إنهم يمتازون بالعدل، ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف". (1)
ولو أنصف الزاعمون لرددوا مع جوستاف لوبون قوله: "الإسلام من أكثر الأديان ملاءمة لاكتشافات العلم، ومن أعظمها تهذيباً للنفوس وحملاً على العدل والإحسان والتسامح". (2)
وصدق الدكتور لويس يونغ في كتابه "العرب وأوروبا" حين قال: "إن أشياء كثيرة لا يزال على الغرب أن يتعلمها من الحضارة الإسلامية منها نظرة العرب المتسامحة وعدم تمييزهم فروق الدين والعرق واللون". (3)
وهكذا فالإسلام بريء بشهادة النصوص والتاريخ مما يزعمه القائلون بأن الإسلام رعى العنصرية الدينية، بل على العكس من ذلك، لقد قدم المسلمون نموذجاً حضارياً فريداً ما تزال البشرية ترنو إلى مثله، وهي أشد حاجة إليه اليوم في ظل تصاعد حملات الكراهية للمسلمين من أولئك الذي ما فتئوا يبشرون بصدام الحضارات والخطر المزعوم الذي تحمله الحضارة الإسلامية.
رابعاً: المسلمون والتحديات المعاصرة
إن نظرة سريعة في واقع المسلمين اليوم لن تخطئ في رؤية الكثير من التحديات التي تواجهها الأمة المسلمة في مطلع القرن الواحد والعشرين.
ولعل أول هذه التحديات قبوع الأمة التي قادت ركب الحضارة الإنسانية ثمانية قرون في ذيل القائمة في سلم الحضارة والعلم.
يستغل البعض هذا الواقع المرير للربط بين حال المسلمين ودينهم، متناسين أنه ليس من العدل والنصفة في شيء الحكم على دين بواقع أهله في برهة من الزمان،
(1) شمس العرب تسطع على الغرب (364).
(2) حضارة العرب (126).
(3) قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل (326).