فقد أمر الله بحسن الصحبة للوالدين وإن جهدا في رد ابنهما عن التوحيد إلى الشرك، فإن ذلك لا يقطع حقهما في بره وحسن صحبته: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً} (لقمان: 15).
ولما جاءت أسماء بنت الصديق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقول: يا رسول الله، قدمت عليّ أُمّي وهي راغبة، أفأَصِلُ أُمي؟ فأجابها الرحمة المهداة: ((صِلِي أُمَّك)). (1)
ومن البر والتسامح الذي لا يمنعه اختلاف الدين؛ عيادة المريض، فقد عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - عمه الكافر أبا طالب في مرضه [2]، وعاد أيضاً جاراً له من اليهود في مرضه، فقعد عند رأسه. (3)
كما أهدى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بعض أعدائه ومخالفيه في الدين، لما للهدية من أثر في كسب القلوب واستلال الشحناء؛ فقد أهدى إلى أبي سفيان تمر عجوة، وهو بمكة، وكتب إليه يستهديه أُدماً [4]، كما قبِل النبي - صلى الله عليه وسلم - هدايا الملوك إليه، فقِبل هدية المقوقس، وهدية ملك أيلة أكيدر، وهدية كسرى. (5)
وعلى المستوى الاجتماعي قبِل - صلى الله عليه وسلم - دعوة زينب بنت الحارث اليهودية، حين دعته إلى شاة مشوية في خيبر [6]، كما قبِل وأجاب دعوة يهودي دعاه إلى خبز شعير وإهالة سنخة. (7)
وأما الفضيلة الثانية التي رغّبت فيها آية سورة الممتحنة فهي: العدل الذي هو أهم مكارم الأخلاق التي جاء الإسلام لحمايتها وتتميمها؛ وهو غاية قريبة ميسورة
(1) أخرجه البخاري ح (2620)، ومسلم ح (1003). [2] أخرجه أحمد ح (2009)، والترمذي ح (3232).
(3) أخرجه البخاري ح (1356). [4] أخرجه ابن زنجويه في كتاب الأموال (2/ 589).
(5) انظر البخاري ح (1482)، وأحمد ح (749). [6] أخرجه البخاري ح (2617)، ومسلم (2190).
(7) أخرجه أحمد ح (12789).