اسم الکتاب : الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام المؤلف : المقدم، محمد إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 154
ربه وما يختص به سبحانه، فقال: {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} ثم أثنى على ربه، ووصفه بتفرده بعلم الغيوب كلها، فقال: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} ثم نفى أن يكون قال لهم غير ما أمره ربه به -وهو محض التوحيد-، فقال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 117]، ثم أخبر عن شهادته عليهم مدة مقامه فيهم، وأنه بعد وفاته لا اطلاع له عليهم، وأن الله عز وجلِ وحده هو المنفرد بعد الوفاة بالاطلاع عليهم، فقال: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ثم وصفه بأن شهادته-سبحانه- فوق كل شهادة وأعم، فقال: {وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد}.
ثم قال: ({إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118]، وهذا من أبلغ الأدب مع الله في مثل هذا المقام، أي: شأن السيد رحمة عبيده والإحسان إليهم، وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيدًا لغيرك، فإذا عذبتهم -مع كونهم عبيدك- فلولا أنهم عبيد سوء من أبخس العبيد، وأعتاهم على سيدهم، وأعصاهم له: لم تعذبهم، لأن قربة العبودية تستدعي إحسان السيد إلى عبده ورحمته، فلماذا يعذب أرحم الراحمين، وأجود الأجودين، وأعظم المحسنين إحسانًا عبيدَه؟ لولا فرط عُتُوهم، وإباؤهم عن طاعته، وكمال استحقاقهم للعذاب.
وقد تقدم قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} أي هم عبادك، وأنت أعلم بسرهم وعلانيتهم، فإذا عذبتهم؛ عذبتهم على علم منك بما تعذبهم عليه، فهم عبادك وأنت أعلم بما جنوه واكتسبوه، فليس في هذا استعطاف لهم، كما يظنه الجهال، ولا تفويض إلى محض المشيئة والملك المجرد عن الحكمة، كما تظنه القدرية، وإنما هو إقرار واعتراف وثناء عليه سبحانه بحكمته وعدله، وكمال علمه بحالهم، واستحقاقهم للعذاب.
اسم الکتاب : الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام المؤلف : المقدم، محمد إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 154