اسم الکتاب : الاستعداد للموت المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 51
كان هذا سبيلهم: أن يشعروا، وأن يعملوا وفق ما شعروا .. وعن بلال بن الحارث المزني - رضي اللّه عنه - قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللّه تعالى، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتاب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللّه تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتاب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه» .. قال: فكان علقمة يقول: كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث. رواه أحمد
وهكذا كان أولئك الرجال يتلقون هذه الحقيقة فيعيشون بها في يقين. تلك صفحة الحياة، ووراءها في كتاب الإنسان صفحة الاحتضار: «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ. ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ» .. والموت أشد ما يحاول المخلوق البشري أن يروغ منه، أو يبعد شبحه عن خاطره. ولكن أنى له ذلك: والموت طالب لا يمل الطلب، ولا يبطىء الخطى، ولا يخلف الميعاد وذكر سكرة الموت كفيل برجفة تدب في الأوصال! وبينما المشهد معروض يسمع الإنسان: «ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ». وإنه ليرجف لصداها وهو بعد في عالم الحياة! فكيف به حين تقال له وهو يعاني السكرات! وقد ثبت في الصحيح أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: «سبحان اللّه. إن للموت لسكرات» .. يقولها وهو قد اختار الرفيق الأعلى واشتاق إلى لقاء اللّه. فكيف بمن عداه؟
ويلفت النظر في التعبير ذكر كلمة الحق: «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ» .. وهي توحي بأن النفس البشرية ترى الحق كاملا وهي في سكرات الموت. تراه بلا حجاب، وتدرك منه ما كانت تجهل وما كانت تجحد، ولكن بعد فوات الأوان، حين لا تنفع رؤية، ولا يجدي إدراك، ولا تقبل توبة، ولا يحسب إيمان. وذلك الحق هو الذي كذبوا به فانتهوا إلى الأمر المريج! .. " (1)
ــــــــــــــــ
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6/ 3362)
اسم الکتاب : الاستعداد للموت المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 51